اطلعت بالأمس على مقالين ممتعين في (الرسالة) الغراء حول فن الموسيقى: أحدهما للأستاذ قدري حافظ طوقان، والآخر للأستاذ عبد العزيز البشري، فسرني منهما أن يطريا فن الموسيقى العربية، ويتغنيا بعبقرية من اشتغلوا بهذا الفن الجميل من قدامى ومحدثين؛ أقول وأؤكد القول: بأنني جد مغتبط بمقاليهما كعزاء للفن المغبون. . .
ولقد رغبت ان أشاركهما فيما أبدياه من العواطف السامية نحو موسيقانا، فكتبت في عجالتي هذه نبذة عامة عن تطور الموسيقى الشرقية في العهد الأخير، وما طرأ عليها من الإصلاح والتجديد، كموسيقى يغار على الفن، ويؤدي نحوه الواجب المحتوم
- ٢ -
كانت الموسيقى في جميع العصور مقياساً لروحية الأمم، ورمزاً لأخلاقها ورقة طباعها، وإذا كان للشعر والأدب والنحت والتصوير وغيرها من الفنون منزلة سامية في النفوس، فللموسيقى رتبة أسمى وأعلى، وإذا كان لهذه الفنون أياد بيضاء على تهذيب الطباع الإنسانية، وصقل عواطفها، فأحر بالموسيقى أن تنال السبق في هذا المضمار، إذ تتعدى ذلك إلى شفاء بعض الأمراض، وطرد الهموم من النفوس، ومعالجة الحيوان والتلطيف من شراسته ووحشيته، فاسمها مقرون على الدوام بالروعة والاعتبار. . .
نشأت الموسيقى في دورها الأول مع الإنسان الساذج المقلد لمظاهر الطبيعة الفاتنة، فاندفع بميله الغريزي، وعواطفه الكامنة لإتقان هذا التقليد المستحب اللذيذ، حتى انقلب على مر العصور إلى فن جميل له مكانته بين الفنون.
عنيت الأمم الغابرة من مصريين ويونان ورومان، وصينيين وهنود ويابان وفرس وعرب بالموسيقى عناية قصوى جعلتها تتطور في أحضانها بخفة ولباقة، حتى وصلت إلينا بحلة قشيبة؛ وما أن افترق الشرق عن الغرب حتى كانت موسيقى الشرق غير موسيقى الغرب؛ طارت الأولى في سماء الروح والعواطف، ثم ما لبثت أن هبطت قليلا، فلا هي بالهابطة