ولا هي بالصاعدة، متقلقلة بين الصعود والهبوط؛ وأما الثانية فلا تزال جادة في طريق المجد، تقطع مراحل وأشواطاً من التقدم، وغدت لدى الذوق الغربي أسمى وأشهى ما يلذ للسمع ويستطاب.
- ٣ -
بعد أن انتقلت الموسيقى إلى العرب برعوا فيها، وجددوا ما بلي منها، وبقيت في عهدهم زاهية ببغداد ومصر والأندلس وغيرها من البلاد العربية حتى دالت دولة العرب، فقبعت في زاوية الإهمال حقبة من الزمن، تترقب من ينتشلها من وهدتها، ويقيلها من عثارها بعد ذاك العز والمجد، حتى قيض لها منذ قرون تقريباً من يذود عن حقها المهضوم ويرفع من شأنها ولو قليلا أمثال الأساتذة المرحومين: عبده الحمولي، والشيخ يوسف المنيلاوي، ومحمد عثمان، وعبد الحي حلمي، والشيخ سلامة حجازي الذي نبغ في الغناء المسرحي وانفرد به، وكذلك احمد الليثي، وأمين بنايه، وإبراهيم سهلون، وغيرهم من عظماء الفن، ومشاهير الملحنين والعازفين الذين نهضوا بالموسيقى العربية نهضة مباركة لا بأس بها، وخاصة في قسم الغناء والإنشاد؛ ثم كان منهم النابغة المرحوم الشيخ سيد درويش الذي يعد من المجددين، وإليه يرجع الفضل في تعديل فن الغناء العربي تعديلا لطيفا، وهو الذي عنى بنغمة (الحجاز كار كردي) التركية، واستعملها في كثير من أغانيه وأدواره الخالدة، فزاد الفن بذلك عذوبة ورقة، وكان بحق آية في العبقرية والنبوغ. . . وأخيراً جاء نابغتنا الشاب الأستاذ محمد عبد الوهاب وأمثاله، وهو مجدد بكل ما في الجدة من معنى، وقد أضاف إلى الفن ما أضاف من عبقرية فذة تتجدد، ونبوغ مضطرم يزكو، ولنا كبير أمل بجهوده الفنية التي ستسمو إن شاء الله بالموسيقى إلى أقصى مراتب النجاح.
مازال الأستاذ محمد عبد الوهاب يخدم الفن خدمة يشكر عليها ويثاب، فجدد منه أصولاً، وأصلح فيه أنواعاً، ثم أضاف إليه أقساماً طريفة من الأنغام الإفرنجية، إلى غير ذلك من التجديد الموافق للذوق الشرقي والعربي، وغدت اسطوانات أغانيه تسمع حتى في بلاد أوربا بكل إعجاب، يشاركه في هذا التجديد نخبة صالحة من غواة الفن، وجمعيات ونواد فنية أسست في مصر وسوريا وغيرهما، يجاهدون جميعاً في تعزيز الموسيقى الشرقية لتستعيد مكانتها الأولى، ويكون لها الصدر في الموسيقى العالمية