هذا في مصر وسوريا وبعض البلاد العربية الأخرى، وأما في البلاد التركية، فقد وجدت الموسيقى الشرقية منتجعاً خصباً، فتطورت في سنين قلائل، حتى لتضاهي كل موسيقى عالمية، والحق يقال: أن للأتراك فضلا كبيراً على هذا الفن، فقد اخترعوا أنغاماً لم تكن تعرف من قبل، وحسنوها وهذبوا كثيراً من الألحان، وجعلوا في موسيقاهم أنواعاً منوعة من القطع الفنية الخالدة، ونبغ لديهم عظماء أفذاذ، أمثال الأساتذة المرحومين: حافظ، ومونلا عثمان، وقره قاض القديم، ووسيلاكي المغني المشهور، وعثمان بك، وعاصم بك، والطنبوري جميل بك، و (الكمنجاتي) طاتيوس، وواسلاكي، وغيرهم ممن أكسبوا الفن كنوزاً ثمينة لا تقدر، وقد جاء من بعدهم مجددون معاصرون فأدخلوا تحسينات جمة عليه، ولقحوا بعض أقسامه وأجزائه بشيء من الأنغام الإفرنجية اللطيفة، كما أنهم أضافوا فن تأليف الأصوات على فرع من موسيقاهم، ولا سيما دار الفنون والموسيقى في الأستانة، التي تعد في طليعة المجاهدين في سبيل ترقية الموسيقى الشرقية وتعزيزها.
وأما في بلاد فارس والهند والصين وغيرها، فالموسيقى مازالت مهملة أو كالمهملة، إلا في بلاد اليابان وشرقي الصين فآخذة في التقدم السريع، غير أن الموسيقى الغربية طغت عليها، وتكاد تكون معها في صراع عنيف، حيث لكل منهما أحزاب ومشايعون، والغريب في الموسيقى الشرقية هناك أنها تكاد تضارع الأنغام العربية والتركية في اللهجة والأصول، فقد ذكر صديق لي أنه كان منذ بضع سنوات في بلدة شنغاي من أعمال الصين الشرقية، وبينما كان ماراً في حي صيني سمع أنغاماً عربية من مقام (الحجاز) فظن لأول وهلة أن العازف على الآلة ربما كان عربياً، وفرح لهذه المصادفة، ورغب أن يجتمع به، ولشد ما كانت دهشته حينما وجده صينياً عريقاً في الصينية، لا يدري من أمر العرب شيئاً، مما يدل على أن لإيحاء الشرق على سكانه في كل صقع أثره الشديد حتى بموسيقاه العذبة.
- ٥ -
يعيب الغربيون موسيقانا بالجمود والتشابه والتكرار، ويتهموننا بقلة الأنواع الموسيقية، وعدم تأليف الأصوات، وإدماجها في القطعة الموسيقية جملة واحدة ولئن كان هذا النقص