للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[منزلة العبقرية الدينية بين العبقريات]

للأستاذ محمد خليفة التونسي

يقول الحكيم الهندي رابندرانات تاجور (إن كل طفل يولد دليل على الله لم ييأس من الإنسانية بعد).

ولا علينا أن تزيد (وكل عبقري ينبغ دليل مائل يكشف حكمة الله في عدم يأسه من الإسلامية).

وما جدوى الإنسانية من البقاء، بل ما جدوى الحياة والطبيعة كلها إذا كان بقاؤنا في ضيقه ورتابته وانحطاطه كبقاء الأرضات في سرداب الأرض المظلمة أو مملكة الظلام كما قال موريس مترلنك الشاعر البلجيكي؟

ماذا في ميلاد طفل؟

إنه دليل على تمسك الله بالإنسانية، إذ لم ييأس منها، وعلى أنها لا تزال أهلا لأن يرفعها باستعدادها لقبول نعمه، ولكن الحكمة في عدم بأسه منها خافية، والدليل على استعدادها عنا مستور.

وماذا في نبوغ عبقري؟

إنه دليل على ذلك كله، وعلى شئ فوق ذلك كله.

دليل على تمسك الله بالإنسانية، واستعدادها لتقبل ما يفيض عليها من نعمة، وصلاحها لأن يرفعها إلى أفق أرفع من أفقها الذي هي فيه عن رضا وطواعية، ودليل أيضاً على قبولها نعمة فعلاً وتحقيق صعودها إلى أفق أعلى راضية طيعة. فحكمة الله في عدم يأسه من الإنسانية هنا بينه، وحجته لنا ظاهرة.

إذا كان ميلاد طفل دليلاً على استعداد خفي في الإنسانية لنعم الله، وعلى حكمة خفية علينا في استمساكه بها، فإن نبوغ عبقري دليل على بروز نعمة وحكمته من عالم الأمر إلى عالم الخلق، أو من عالم الغيب إلى عالم الشهادة بلغة القرآن الكريم، أو من عالم المثال إلى عالم الحس بلغة أفلاطون، أو من عالم القوة إلى عالم الفعل بلغة أر سطو، أو من عالم الفكرة إلى عالم الإرادة بلغة شوبنهادر.

وشتان في وجودنا المحدود بين الشيء أملالم يتحقق، والشيء نفسه حقيقة قائمة، ومهما

<<  <  ج:
ص:  >  >>