آلهة وحيوانات - عمل الطبيعة في تكوين الإنسان الواحد - أزهرت الأشجار وأدركت الثمار - مدينة خالدة ذات سلطان عجيب وشامل - جئنا لنحيا لا لنموت - الحياة بالفكر في المجاهل والمعامل - عبقرية المادة وعبقرية الروح - الذكاء البطر الجموح - إلى أحضان الأمم الكبرى.
إذا جردنا الإنسان مما أسبغته عليه الحياة المدنية من أفانينها وأنواعها وأشكالها ظهر لنا أن البون بعيداً جداً بين الإنسان الذي أخرجته الطبيعة، وهذا الإنسان الذي غيرته الصناعة وتعقيد الفكر. وظهر لنا بأن حياته الصناعية عالم مستقل منفصل خلقه هو. ولكنه عالم غير خالد ولا متوالد إلا باطراد تقدم الإنسان. بخلاف مخلوقات الله في الطبيعة فإنها أبدية دائمة تعمر بها الطبيعة.
وكلما فكرت في الفرق العظيم بين حياة رجل على الفطرة وبين حياة رجل ألماني أو إنكليزي أو أمريكي وعقدت موازنة بينهما المأكل والملبس والملهى والمركب والمعمل والإنتاج والفكر والإحاطة بآفاق الدنيا والتسلط على الطبيعة ظهر لي أن الأول يكاد يكون في صفوف نوع آخر غير الإنسان، وأن الثاني ينقصه الروح والعدل ليكون الإنسان المنشود البار بوصايا الله؛ لأنه هو الذي أحسن الأخذ عنه وخلفه في الماديات خلافة واسعة ونمت على يده الحياة وتنوعت وتشققت مجاريها وتوسعت. . .
ولا يجوز عقلاً أو شرعاً أن يعطى الأول الحياة وعزتها، وأن يتسلط على الثاني ما دام كل منهما على حالته. كما لا يجوز لحيوان أن يسخر إنسانا
وكلما استعرضت معارف الإنسان المدني المدونة في كتبه وصحفه وألواحه وأرضه وآثاره أدركت مبلغ ما حمله من أمانات الحياة. وأسرار الدنيا ذات الصمت والعمل.
ولا شك أن الإنسان العادي الذي يقرأ صحيفة يومية يحمل ذهنه من قضايا العالم وأخباره في الصباح والمساء ما لم يكن في حسبان أحد من السابقين ووجدانه. . .
ولا شك كذلك أن هذا كله قد ترك أثره الواسع الشامل في تكوين الذهن الإنساني الحالي وتكييف أعصابه وإحساسه بالحياة، غير ما كان عليه الناس في زمن المواصلات والثقافات