قلت: لا والله، فأي شيء هذا المسيو تريس؟ وما هي قصته؟
قال: رجل فرنسي تخرج في إحدى دور المعلمين الأولية، ولكن الأبواب سدت عليه في بلده، وضاقت به الحيل، فلم ينل وظيفة، ولا استطاع أن يحصل شهادة ثانوية (بكالورية)، فشد رحاله إلى الشام، فكان فيها معلماً. . .
قلت: ليس في هذا عجيب، بل العجيب أن يكون غير هذا!
قال: لم أبلغ بك مستقر العجب بعد. . . لقد درس هذا الرجل سنين، ثم خطر له يوماً خاطر، فقال لي:
- لقد سمعت أن المسلمين يحجون. . .
قلت له: نعم
قال: أفلا تخبرني عن حجهم، كيف يكون، وما هي صفاته، وكيف تكون الرحلة إليه، وما هو خبر المحمل الذي كان يذهب به كل عام؟
في أسئلة أخرى هذا. سبيلها قال صديقي فقلت له: إني لا أعرف إلا طرفاً من هذا ولكني آخذك إذا شئت إلى من يرشدك إليه. وأخذته إلى رجل كان جمالاً يرافق الحج. فأنبأه بما يريد، فلما كان بعد أيام جاءني المسيو تريس، وقد كتب ذلك في كراسة عرضها علي لأنظر فيها. فنظرت فإذا هي أعجوبة الدهر التي يعجز عن مثلها صاحبنا أو العبر حين كان يقف على الجسر في بغداد فيكتب كل ما يسمع، فإذا ملأ الصحيفة قدها قداً فخالف بين أجزائها، ثم قرأ ما يجيء فيها، فيجيء بكلام ليس في الدنيا أحمق منه. . . وإذا هي كراسة مضحكة عجيبة يعد صوابها ولا يحصى خطؤها، على أنها في زعم صاحبها دراسة للحج عند المسلمين، سمي فيها الجمل الذي يحمل (المحمل) باب السلام، وسمي إمام الحرم المكي (أمين الصرّة) وجعل تبوك على أبواب مكة. . . ومثل هذا الهذيان. . .