في سنة ١٨٥١ ساق بعض الحراس الفرنسيين شاباً في العقد الثالث من عمره إلى المقصلة تنفيذاً للحكم الصادر عليه. وما كاد يقترب منها وتقع عليها عيناه حتى اضطرب وجن، فوقف وكأنه تسمر في الأرض، وأخذ الحراس يدفعونه إليها دفعاً، وهو يقاومهم مقاومة الجبار اليائس، وكان وافر الجسم مفتول الساعدين قوي العضلات.
وكان الناس من حولهم ينظرون إلى هذا الصراع بين قوتين غير متعادلتين تريد إحداهما للأخرى الموت، وتريد هذه لنفسها الحياة. حتى إذا مضت على ذلك نحو ساعة والحراس كلما تقدموا به نحو المقصلة خطوة رجع هو بهم إلى الوراء خطوتين، خارت قواهم ولم يجدوا خيراً من أن يعودوا أدراجهم به، والناس يظنون أن الأمر وقف عند هذا الحد، وكأن كابوساً أرتفع عن صدورهم بعد ما رأوه من هول الموقف، وما كان إلا صراعاً عنيفاً بين حياة وموت. ولكن الجنود عادوا به في المساء بعد أن ضاعفوا عددهم، وبعد أن أحكموا وثاقه حيث نفذوا الحكم فيه. وكان من بين من حضروا هذا المشهد المثير شارل هوجو، وكان من أنصار إلغاء عقوبة الإعدام، فوصف ما رآه وأفاض في شناعته في جريدة الحادث ولكن النائب العام وجه إليه هو ومدير الجريدة تهمة تعمد احتقار القانون.
أما شارل فقد كان الذي تولى الدفاع عنه أبوه فكتور هوجو الكاتب الكبير، وإذا ذكرنا فكتور هوجو فقد ذكرنا قوة الجنان، وسحر البيان، وذلاقة اللسان، ولا سيما أنه إنما كان يدافع عن ولده وفلذة كبده، حتى أنه قال في بعض ما تناول دفاعه:(أنا المجرم دون ولدي، لأني أنا الذي وقفته هذا الموقف، وكنت من خمس وعشرين سنة لا آلو جهداً في محاربة عقوبة الإعدام. وقد عز علي أن لا أكون نصيراً للحياة البشرية أطلب احترامها والإبقاء عليها، منادياً ذلك في كل وقت وعند كل مقام بأعلى صوتي وبملء فمي، لأن عقوبة الإعدام بقية من بقايا الدم بالدم شريعة الوحشية الأولى).
وقد كان هناك غير فكتور هوجو كثيرون من أنصار هذه العقيدة، وأكبر حججهم في شناعة هذه العقوبة إن إعدام المجرمين فوق أنه مناف لقواعد الرحمة، وأن العقوبة يجب أن