للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يراعي فيها الإصلاح لا الانتقام، فان منظره يقسي قلوب الناس، ويبذر فيها بذور الغلظة والتوحش. ولكن كيف نسى هؤلاء المفكرون أن الثورة الفرنسية نفسها التي قررت حقوق الإنسان، والتي يشيد بذكرها فكتور هوجو وغيره لم تقم إلا على الدم، وكيف يريدون أن تشمل السفاكين رحمة القانون وقد وطئوا بأقدامهم هذه الرحمة وهم يقتلون. ألا أن شريعة الدم بالدم، لم تكن أثراً من آثار الوحشية الأولى، وإنما كانت سبباً شريفاً من أسباب العدل، وأثراً محموداً من آثار الرحمة لا بالمجرمين ولكن بالناس أجمعين. إن طبيعة الحياة نفسها تقضي ببتر العضو الفاسد من الجسد حتى لا يتعدى فساده إليه، فكيف نقبل هذا في الجسم الواحد ولا نقبله في جسم المجتمع كله، بل أن قواعد الفهم تربأ بنا أن نسلم إفلات المجرم من حكم القانون لا يشجعه على السير في شروره وقد استمر أطعم العدوان وأمن غوائل العقوبة.

وعلى كل حال فأن عقوبة الإعدام برغم محاولة هؤلاء الأنصار لا تزال قائمة، مع أنها أبطلت في فرنسا مرة، وفي إيطاليا بعدها مرة أخرى. (ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم. . . ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب). ومع ذلك فهذا رأي المسيو الأفريد روكو بصدد هذا البحث، وحسبنا أنه من أئمة التشريع في إيطاليا، وهو وزير حقانيتها قال: (لما أن كانت إيطاليا من أندر الدول التي ألغيت عقوبة الإعدام سألني كثيرون عما إذا كان إلغاؤها عاد بالفائدة على مجتمعنا؟ وقبل أن أخوض في الرد على السائلين أسجل هذا الحادث الغريب، وهو أننا أخذنا هذا التشريع عن الفرنسيين برغم أنهم بعد أن جربوه عدلوا عنه للنتائج الخطيرة التي ترتبت عليه. أخذناه عنهم على سبيل التجربة نحن أيضاً، وكان ذلك في عهد لم يكن يخطر ببالنا قيام نظام الفاشستية فيما بعد، وعلى كل حال فأن هذا الإصلاح الذي فكر الشارع الإيطالي في إدخاله على قوانيننا الجنائية لم يجرنا إلى الفشل الذي أصاب جيراننا من إدخاله على قوانينهم.

ولكن يلاحظ أن هبوط نسبة الجرائم بعد هذا التعديل لا يمكن في الواقع إرجاعه إلى مجرد إلغاء هذه العقوبة ونحن نرى انخفاضها في كثير من البلدان التي جرت قوانينها على إعدام القتلة. على أننا مع ذلك غير آسفين لسن تشريع كهذا هو مما لا شك فيه اتجاه محمود نحو الرفق بالإنسانية. بل أن أنصاره عندنا لم يحذوا حذو روبسبيير الذي أرسل كما نعلم آلاف

<<  <  ج:
ص:  >  >>