الأبرياء إلى المقصلة، وهو الذي كان يشيد بذكره ويعتبر بقاء عقوبة الإعدام ضرباً من ضروب الوحشية.
وقد دل إحصاء عدد الجرائم التي كانت تستوجب هذه العقوبة بعد الحرب الكبرى على اطراد في هبوط النسبة التي أشرنا إليها، فأن عدد حوادث القتل من سنة ١٩١٩ إلى ١٩٢٠ ينيف إلى ستة آلاف حادثة، ولكن هذا العدد هبط في السنة الأخيرة إلى أكثر بقليل من ألفين، إلا أن جزءاً كبيراً من هذا العدد الأخير يتعلق بالجرائم التي لا يمكن لأية عقوبة مهما كانت من الشدة أن تحول دون وقوعها كالجرائم التي أساسها الشهوات الثائرة وما يترتب عليها كما يسميها الفرنسيون، لأنها بطبيعتها لا مناص من وقوعها؛ فالرجال والنساء إذا لدغتهم الغيرة أو خدعوا في حب وجدوا كل شيء تقع عيونهم عليه مصبوغاً بالدم، فلا يلبثون أن يندفعوا إلى الأثم مهما وقفت بينه وبينهم كل عقوبات الدنيا، حتى أن محلّفي محاكم البلدان اللاتينية أصبحوا على اعتقاد ثابت بأن هذه الجرائم لا يمكن تجنبها؛ ولذلك فهم يقضون في الغالب لبراءة من يساقون إلى ارتكابها. على أنني كنت أميل إلى هذا الاتجاه - لأن هذه الجرائم لا تخلو دائماً من ظروف مخففة تحيط بها - إلا أنني أرى أن تعليل هذه الأحكام دائماً باضطراب الحواس عند ارتكابها فيه كثير من التطرف. ذلك لأن لكل عقوبة بشرية دائماً وجهين يجب ملاحظتها فإذا ما نظرنا إلى الجريمة من حيث الفرد الذي أقدم عليها في ذاته كان ما ذهب إليه لمبروزو من عدم قيام المسؤولية الجنائية بسبب ما يحيط به مقبولاً، لأنه وإن كان حراً فيما فعل إلا أنه ما كان في مقدوره أن يفلت من تأثير الأسباب الباطنة الراسخة فيه. وفي هذا الموقف يجب اعتبار العقوبة كوسيلة من وسائل إصلاحه لا كعقوبة يراعى أن يتساوى أثرها مع أثر الجرم الذي أقدم عليه. وفي الواقع كيف يسوغ لك أن تعدم شخصاً كان في جرم تحت سلطان قانون الوراثة، أو تأثير البيئة، أو كانت نفسه فقيرة من أسباب التهذيب والتربية، بغير أن تكون قاسياً عليه بعيداً عن إنصافه؟
أما إذا اعتبرناه عضواً في جسم المجتمع الذي يعيش فيه، فمؤاخذته على هذا الاعتبار يجب أن يكون لها صفة العقوبة التي يستحقها وأن كانت صارمة.
وإذا سألتني الآن رأيي في ضرورة عقوبة الإعدام، أجبتك بأنها يمكن أن تكون كذلك في