. . . وأخيراً حققت الآمال العظيمة التي طمح إليها دعاة الإصلاح في مصر والشرق الإسلامي، وتوِّج هذا الجهاد الحافل بالفوز والتوفيق، فأنصت الأزهر لهذه الدعوة الصارخة، وآمن بها، وأخذ يضيف إلى تاريخه التليد صفحات طريفة مجيدة. فمنذ أسابيع قرأنا إن عضواً بارزاً من جماعة كبار العلماء قدم إلى الجماعة اقتراحاً جديداً تشيع فيه الرغبة الصادقة في توجيه الثقافة في هذه الجامعة العظيمة وجهة جديدة صالحة تجمع بين أمرين عظيمين:
الأول: بعث روح الإنتاج العلمي، والاضطلاع بأعبائه في شتى فروع الثقافة الدينية.
الثاني: العناية بشؤون المجتمع؛ وبحث مشكلاته الخلقية والاجتماعية والاقتصادية وبيان موقف الدين الإسلامي حيالها.
ثم علمنا أن هذا الاقتراح يشق طريقه نحو التنفيذ، فأيقنا أن الأزهر مصمم على السير إلى أبعد غايات الإصلاح، مؤمن بتوفيق الله ورعايته.
ولا يخالجنا شك في إن الجماعة - وقد ضمت عناصر جديدة ممتازة - ستظفر بتحقيق هذه الآمال، وستكتب في تاريخ الأزهر الحديث أروع الصفحات. وليس هذا على الجماعة بكثير فقد عنى بها الأستاذ المراغي عناية كريمة فآثر بعضويتها أولى الكفايات من العلماء الحريصين على مسايرة الحياة إلى أسمى غاياتها، وتوجيه الحياة الاجتماعية بنور الدين وهدايته.
إن المجتمع في حاجة إلى الأزهر، والأزهر في حاجة إلى المجتمع، ولا ريب في أن اتجاه علمائنا نحو المجتمع وبحث شئونه ومشاكله ستجعل الناس على بينة من دينهم، وتهديهم إلى سبل الخير والفضيلة والرشاد.
لقد مضى زمن الجدل في العقائد، والبحث النظري في القشور دون اللباب، وسئمنا الكلام في المياه التي يجوز بها التطهير والتي لا يجوز، وفي إثبات كرامة الأولياء ونفيها، وفي طبقات السماء أمن فضة هي أم من ذهب، إلى غير ذلك؛ وهانحن أولاء نشاهد إشراق عهد جديد يشارك فيه علماؤنا الناس، وينزلون من عزلتهم التقليدية إلى حيث يسير الناس