حينما ينظر الإنسان إلى (دواوين الحكومة) بعين أخرى غير عين (الموظفين) ويقيسها بمقياس آخر غير عين المناصب والمراكز والألقاب. . . لا تقع عينه إلا على أمساخ ومهازل، ومخلوقات آدمية بائسة، محدودة الآفاق، صغيرة المطامع، حقيرة البواعث. ولا يشد إلا رواية تهريجية هازلة تنقصها كل أصول الفن وكل مقومات الإخراج، ولا يبقى لها من سمات الزاوية إلا عنصر (التمثيل)!.
بهذه العين الإنسانية نظر الأستاذ (عبد الحميد جودة السحار) إلى (الموظفين) وبهذه النظرة الآدمية رأى (الدواوين) وما في الدواوين، فكانت مجموعة (الصور الانتقادية) التي أخرجها بعنوان (في الوظيفة).
وليست تسميتها باسم (صور انتقادية) مجرد عنوان فهي (صور) في حقيقتها: صور سريعة على طريقة التصوير باللمسات الخاطفة. . . لمسة من هنا ولمسة من هناك، فإذا ملامح معينة وسحن محدودة ووجوه معروفة. ولا عليه بعد هذا ألا يعني بالدقائق والجزيئات: هذه سحنة منافق، وتلك سحنة جبان، هذه ملامح دساس، وتلك ملامح لص؛ هذا وجه مراء، وذلك وجه مدلس. . . أما سعة العين وشكل الأنف، وحجم الفم، فتلك تفصيلات لا تزيد شيئاً في دلالة السمات. . .
ومن ناحية أنها (صور) كانت قيمتها الفنية وقيمتها الإنسانية. وإلا فكل ما جاء فيها عن الدواوين وعما يجري داخل الدواوين، معروف ومشهور تلهج به الألسنة في كل مكان ويتندر به كل إنسان، ويشكو منه كل إنسان.
وإنك لتستطيع أن تقول ألف مرة: إن في الدواوين رشوة وسرقة ودسائس ووشايات؛ وإن الأعمال تسير فيها سير الأجهزة البطيئة والآلات الصماء؛ وإن الذي لا يجازي التيار فيها يجرفه ويحطمه، وإن كثيراً من الموظفين يدخل الديوان (إنساناً) فما يلبث أن يصبح