للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البَريدُ الأدَبي

حول الأزهر: على رسلكم يا سادة

في عدد مضى من (الرسالة الغراء) أعطيتك صورة مجملة عن البرامج الدراسية في الأزهر - معاهده وكلياته - وقلت إنها لم تقم على أسس تربوية سليمة. وصورت لك ما يعانيه الطالب من ويلات ومشاق في تحصيل علومه وترجيع ضمائرها وحل طلاسمها ذلك لأن الجانب الأكبر في فهم تلك العلوم يقع على كاهل الطالب. فلا نعدو الحقيقة إذا اعتبرناها طلاسم تقوم على المعاياة والمماحكات اللفظية والجدل العقيم. واليوم أحدثك عن أمر عجب يبين مدى ما يعانيه الطلبة من إرهاق وإهمال.

كنا ننتظر أن تكون هيئة من مدرسي الأزهر لتبحث في تهذيب العلوم الأزهرية وتنقيحها، بل لتتقدم بمؤلفات حديثة وافية تتسق وتقدم العصر وتتفق ورقي الحياة، لا يشوبها شيء من التعقيد المخل، ولا شائبة من التعقيد الممل. وإنما تيسر المعلومات للطالب وتبسطها أمامه خالصة سائغة يتقبلها ونفسه راضية مطمئنة هذا هو الطريق السليم الذي كان ينبغي أن يسير عليه مدرسو الأزهر. ولكن يظهر أنها مهمة شاقة لا قبل لهم بها. وما لهم ولهذه الجهود وقد ألفوا هذه الحياة المريحة وتحرروا من التبعات التي يؤاخذ بها زملاؤهم في وزارة المعارف. وأخذوا يباركون هذه التركة الخالدة التي حفظتها لهم الأجيال ليتقبلوا في نعيمها العريض. أبعد هذا تنتظر أن يضطلع هؤلاء بالإصلاح المنشود؟ يبدو أن هناك سراً خفياً يصرف تفكيرهم عن كل هذا الذي نتحدث عنه. وإلا فأين ثمرات خمسة عشر عاماً بين جدران الأزهر؟

على أني لست أعرف سبباً في التمسك بحرفية تلك العلوم والحرص عليها. مع أن ذلك طعن صريح في عقولنا وتفكيرنا وثقافاتنا؛ أفليس فينا من يستطيع أن يؤلف في تلك المواد كتباً قيمة؛ ثم أليس يجدر بنا أن ننشئ في الأزهر مدارس فكرية حديثة. كل ذلك في الإمكان ولكن سيقولون ليس في الإمكان أبدع مما كان. وما ترك الأوائل لنا شيئاً. وجوابنا عليهم ما قاله الجاحظ (إذا سمعت الرجل يقول: ما ترك الأول للآخر شيئاً فاعلم أنه ما يريد أن يفلح) وأقول إن الدراسة الأزهرية تخلف عقداً نفسية، وتترك وراءها آثاراً قائمة من اليأس المبرح والهم المقيم. ومن هنا نستطيع أن نكون رأياً وهو أنه ليس من البعيد أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>