(في الفصل السابق من هذا البحث برهنت على أن دفاع الأستاذ الحصري بك عن ابن خلدون في تحامله على العرب (بكتابه دراسات عن المقدمة) لم تكن تؤيده أقوال ابن خلدون نفسه، واستشهدت بنصوص (المقدمة) التي اعتمد عليها، مثبتاً أن الاستمرار بتلاوة تلك النصوص ينطق بعكس ما يريده الحصري، ويقوم حجة على أن ابن خلدون تعمد ذلك التحامل، وأراد به العرب في أمصارهم وبواديهم. . . وها هنا أكمل التعليق على هامش تلك (الدراسات)، مبيناً وجوه الرأي في ذلك التحامل وأسبابه المحتملة. فأقول:)
لعل سائلاً يسأل، ما سبب تحامل ابن خلدون على العرب بهذه الصورة التي لفتت أنظار الباحثين، حتى من غير العرب؟! فجعلت البعض يظنون في حقيقة نسبة شتى الظنون، وجعلت البعض الآخر يتهمونه في قوميته. كما جعلت هذين الكاتبين، وأعنى بهما (بارون دوسلان الفرنسي) و (جودت باشا التركي) يتلمسان له وجه العذر بهذا التأويل الذي أولا به كلمة (العرب) عنده كما مر آنفاً.
فهل كان حقيقة دعياً في (نسبه)، فهو يحمل في نفسه موجدة على العرب الذين هدموا مجد أسلافه - فيما إذا كانوا من غير العرب! - وسلبوا حريتهم. فهو من أجل ذلك موتور، وصاحب الترة كثيراً ما يجنج به الخطل، ويميل مع الهوى كل الميل دون روية أو تبصر.
أم كان حقيقة متهماً في (قوميته)، فهو من أجل هذا الالتواء والشذوذ، يتحامل على العرب شر تحامل، ويرميهم بهذه العيوب التي أحاطهم بها، وينسب إليهم أسوأ الصفات، وأية صفات أسوأ من هذا الذي وصف به العرب وبالغ في وصفه؟!
هذا ما نقف للإجابة عليه، وأنه لموقف عسر شائك، لا يخلو صاحبه من أن يتحكم به هواه، أو يضل طريق الصواب في اجتهاده. على أنني سأحاول - جهد الطاقة - أن أتقي ذلك (بالشمال وباليمين) وأن أقف عند حد الاعتدال فيما أعرض له. فأقول: