لم يكن حامد قد أتم دراسته العالية حيث بدأت تقوى صلته بصديقه حسين أفندي، ولم يكن الحديث يبنهما كلما تقابلا يتجاوز السؤال عن الصحة والأنجال، والذكريات القريبة عن جهادهما في صفوف الشباب الوطنيين، ولا يذكر حامد أنه زار صديقه حسينا في منزله غير بضع مرات كان في معضمها مريضا، وما أكثر ما يشكو المرض! ومرة دعاه حسين أفندي إلى زيارة منزله فلبى. وكانت هذه أولى زيارات متتابعة قوت بينهما رابطة الإخاء والود، وزادت إخلاصهما تمكينا وقوة.
كانت منيرة بنت حسين أفندي فتاة فارعة الجسم، معتدلة القامة، خمرية اللون، فاتنة النظرة، عذبة نغم الحديث، تبدو في انوثة فاتنة نضجت في شعاع ثمانية عشر ربيعا. ورآها حامد فأعجبه أن يتحدث إليها، وأن تتحدث إليه، وأن يشعر في أثناء ذلك أنه موضوع اهتمامها حين تسأله عن حياته في القاهرة وحيدا أيام الدراسة، وابتدأ أهل البيت يرتاحون لزياراته في ثقة واطمئنان، وابتدأ هو يحس الشوق كلما اخلف موعد هذه الزيارة. وصار من المألوف أن يزورهم كل يوم، وأن يسألوا عنه كلما غاب. وانتهى الصيف وعاد حامد إلى القاهرة يستقبل العام الثاني من دراسته في كلية العلوم، ولكنه لم يشعر بالاستقرار وهدوء البال اللذين كان يشعر بهما في العام الماضي، وإنما كان كثير الحنين إلى البلد حيث قضى أيام الصيف. أهو شعور السأم من الوحدة في بلد تذوق كل ما حل من لذاته، أو ملل الدارس طال به انتظار الثمرة، والحنين إلى أهله والصفوة من أصحابه في البلد الذي نشأ فيه؟
لم يستطع حامد أن يجيب على هذا السؤال إلا بعد أيام حين وصلته رسالة من صديقه حسين، أودعها شوقه وتحيته، يخبره أن منيرة مريضة منذ أيام. ما كان أسرع صاحبنا حينئذ إلى كتابة جواب هذه الرسالة، على كسله وتوانيه في كتابة الرسائل! لم يذكر شيئا