أدولف فيليت، فنان بارع، ومصور مجيد، أوتي من القدرة على الهزل في تصويره وعلى تبيان المعايب في شخوصه، ما جعله سيد هذا الفن، المتفوق المبرز، فانعطفت عليه الصحف الكاريكاتورية في باريس، ليمدها من حين إلى حين بصور فيها إبداع وأصالة.
وصوره ذات طابع خاص بها، وصفة لا تفارقها. فهي تبدو في النظرة الأولى، صوراً ضاحكة مضحكة، يفور ظاهرها بالسرور تثير في نفسك الإعجاب والتقدير. فإذا أنعمت النظر ودققت في تلك الصور، بدا لك أن ما فيها يدفع إلى التأمل والتفكير، وأن أعماقها كآبة تدفع إلى الحزن وعبرة تبعث الألم.
سألته يوماً فنانة باريسية جميلة عن سر ذلك، فأجابها (نعم. إن في كل شيء مهما كان قليلاً من الأسى ويجب أن نزينه بالضحك ليخفي، لئلا يؤذي أحداً، أو لم يؤلم أحداً!. .
وجواب الفنان جدير بالتأمل. فالحزن في الحقيقة لا يفارق الإنسان لأن هذه الدنيا لا تريح. ربما أوتي أحدنا المال، ولازمته الأمراض؛ أو أوتي العافية، وسلب المال؛ أو قعد به الحظ المنكود عن الترقي، وفي نفسه آمال؛ أو نال بسطة من العلم فأهمله ذوو الشأن؛ أو حسده الأصدقاء والأقران؛ أو اشتهى ولداً يوهب له؛ على سعة من غنى، وعلو في الجاه، فلم يوهب له الولد، فتبقى في نفسه حسرة على ما أمله، وحزن على ما فاته، لكن ماذا يفيد إذا أظهر حزنه؟ وما نفع التحسر والوجوم؟ إن الحزن والشكوى والبكاء، أشياء تثير الشفقة علينا، وتدل على ضعفنا، وفي الشفقة علينا حطة لنا، ثم هي قد تدفع الناس للابتعاد عنا، لأنها تؤذيهم، وتؤلمهم، أو تذكرهم، بآلامهم. فالحزن يبعث الحزن، ويذكر بالشجى. والدمع يستدر الدمع، ويجلب الأسى. والناس تكفيهم أحزانهم، وربما نسوها لحظة أو ساعة، فإذا ذكرناهم بها تألموا. والدنيا وما فيها أقصر من أن نقضيها بالحزن. . . ولابد من التجلد فإذا حزنت فأجعل حزنك في قرارة نفسك، وأظهر الفرح. بل أضحك. . اضحك دائماً، فلا تؤذي الناس.
بل إن هذا الضحك يؤدي، ولو كان يخفي وراءه الحزن، إلى إعجاب الناس بك، والى اكتساء رداء من الجمال، واكتساب مناعة، لا تؤثر فيها، على الأيام، المصائب والآلام.