ولولا هذا لما كانت العرب تمدح من كان ضحوك السن، بسام العشيات، طليق الوجه. ولولا هذا، أيضاً، ما كانت تذم من كان عبوساً أو قطوباً، أو حامض الوجه، كأنما وجهه منصوح بالخل
وقد تيقنت، أن الضحك، ولو كان يخفي الحزن، يكسب الجسم مناعة، لا يؤثر فيه معها المصائب بعد حادثة شاهدتها بنفسي
ففي عودتي من القاهرة في يناير الخالي، لقيت في القطار سيدة فرنسية تحدر نحو الخمسين، وما تزال ناضرة الوجه، ريانة الجسم، كأنها احتسبت الشباب في جسمها، ولم تفلته. وكان يزيد في جمالها حديث رقيق يغري، ولطف شديد يغوي. فعجبت منها، وتساءلت في نفسي عن سر احتفاظها بالشباب والجمال؟
وكان بجانبها فتاة لم تختط العشرين من عمرها. علمت أنها ابنتها، كانت ذات وجه ساهم، ونفس مكروبة. تلمح الحزن في نظراتها، ولفتاتها، وآهاتها. فقلت في نفسي: ربما تكون مريضة. . . أو أن داء العشق قد لحقها. . . فلما بدأنا الحديث، شدني من ألام فرحها وضحكها، ومن البنت صمتها وعبوسها. كانت ألام تضحك لكل كلمة. . . فيزهر وجهها ويزيد سحرها.
وكانت الفتاة تعبس، فيظلم وجهها، ويحمض جمالها. وكانت ألام، تلفظ الكلمة، ترافقها بالإشارة، وترادفها بالضحكة؛ ضحكة رقيقة تهيج فرحك وسرورك. والبنت ترسل النادرة، إذا تندرت، بلفظ خشن وجفاء ظاهر. فعجبت، ومازلت حتى سألت ألام:
- إني أراها حزينة. . . أتشكو ألماً؟. . .
قالت: أوه! كلا. إن هذا الجيل لا يعرف كيف يحيا. إن في الحياة سراً، لا يهنأ بها، إلا من عرفه. دعها، إنها لا تسمع مني. الحياة عابسة ولا تغلب إلا بالضحك. قلت لها ذلك فلم تعقل. وهذا ما كنا نسمعه من عجائزنا اللواتي عشن سعيدات. أما اليوم، فالحياة تعبس وهم يعبسون. عبوس يجر الحزن، وحزن يدفع إلى الموت البطيء. أليس الأمر كذلك يا سيدي. . .؟
ثم أطرقت. . . وعادت تقول: (يا أسفا على ذلك الزمان، أيام كانت أمي توصيني أن أضحك دائماً. لقد ضحكت كثيراً، فهنئت. كنت أضحك لأتفه سبب، وفي قرارة نفسي حزن