(إذا قسا قلب الرجل ومات ضميره فلن تجد الرحمة سبيلاً إلى
قلبه، وهيهات أن يرد إليه الشعور أنه سارق، وفي بعض
الحالات قاتل. يعطي باليمنى ويسلب باليسرى، ويغتصب
الروح الهانئة لتحل الشقوة ويدب التلف إلى القلب النابض
فيخفت. أيها الإنسان العابث! أما عرفت أن هناك إلهاً
بالمرصاد؟)
أذلك حلم أتخيله، أم هي الذكريات تطوف برأسي كما يطوف النحل بخلاياه لها أزيزه وطنينه، ولكنها لا تنتج العسل ولا فيها شفاء للنفس ولا للناس؟ لقد كادت صرخة الجوع تفلت من بين شفتي، ولكنها في سجن من الإباء وقيد من الكبرياء! لقد سمحت للدموع أن تطفئ أشجاني وتبرد نار أحزاني، ولقد هتفت بوحدتي أن أسبلي على ستارك، ولا تمتعي بآلامي مهجة الشامت، حتى تستقر نفسي، ويعاودني كسابق الأمر أنسى، وهيهات. . . فالقلب قبر صامت يحمل رفات الذكريات! لقد نسى الغادر كؤوس الهناءة التي سكبتها له بيدي، وألوان السعادة نعم بها في جواري، وجنة البيت تضفي عليه النعيم. . . نسى الصدر الرحب الذي وسع أنانيته، والروح التي خلقت فيه عبقريته. . . نسى الحنان يرتع في جنباته، والحب الخالص يرعاه في غداوته وروحته. . . كانت حياتنا معاً مثلاً عالياً للوفاء، فبرهنت الأيام على أن ليس لحال بقاء. . . نسى كل شئ، وبرم بعشرة السنين الطويلة: لم يرحم الإحساس المرهف يجرح بسكين الصد والهجران؛ ولا الآلام تخترم الجسم الرقيق كالنبال، ولا النفس العالية يسهمها الخسف والهوان؛ وطغى كالسيل الجارف يهد من جسر الآمال، ويذيب الأماني ويفرقها في صميم الأوحال! أستبدل بالمرحلة السعيدة التي قطعناها،