ما أحوج المسلمين اليوم إلى من يرد عليهم إيمانهم بأنفسهم، وثقتهم بماضيهم، ورجائهم في مستقبلهم! ما أحوجهم لمن يرد عليهم إيمانهم بهذا الدين الذي يحملون اسمه ويجهلون كنهه، ويأخذونه بالوراثة أكثر مما يتخذونه بالمعرفة!
وهذا الكتاب الذي بين يدي:(ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) لمؤلفه (السيد أبي الحسن علي الحسن الندوي) من خير ما قرأت في هذا الاتجاه، في القديم والحديث سواء
إن الإسلام عقيدة استعلاء، من أخص خصائصها أنها تبعث في روح المؤمن بها إحساس العزة في غير كبر، وروح الثقة في غير اغترار، وشعور الاطمئنان في غير تواكل. وأنها تشعر المسلمين بالتبعة الإنسانية الملقاة على كواهلهم، تبعة الوصاية على هذه البشرية في مشارق الأرض ومغاربها، وتبعة القيادة للقطعان الضالة، وهدايتها إلى الدين القيم والطريق السوي، وإخراجها من الظلمات إلى النور بما آتاهم الله من نور الهدى والفرقان:(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله). . (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيداً.
وهذا الكتاب الذي بين يدي، يثير في نفس قارئه هذه المعاني كلها، وينفث في روحه تلك الخصائص جميعاً. ولكنه لا يعتمد في هذا على مجرد الاستثارة الوجدانية أو العصبية الدينية بل يتخذ الحقائق الموضوعية أدانه، فيعرضها على النظر والحس والعقل والوجدان جميعاً؛ ويعرض الوقائع التاريخية والملابسات الحاضرة عرضاً عادلاً مستنيراً؛ ويتحاكم في القضية التي يعرضها كاملة إلى الحق والواقع والمنطق والضمير، فتبدو كلها متساندة في صفه وفي صف قضيته، بلا تمحل ولا اعتساف في مقدمة أو نتيجة.
وتلك مزية الكتاب الأولى
انه يبدأ فيرسم صورة سريعة - ولكنها واضحة - لهذا العالم قبل أن تشرق عليه أنوار الإسلام الأولى. يرسم الصورة لهذا العالم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً من الهند والصين إلى فارس والروم، صورة المجتمع وصورة الضمير في هذه الدنيا العريضة في الجامعات التي تضلها الديانات السماوية كاليهودية والمسيحية والتي تضلها الديانات الوثنية كالهندوكية