[الشهيد]
للأستاذ محمود الخفيف
(بقية ما نشر في العدد الماضي)
محدي الردى لم يدَع موضعا ... إذا الروعُ جدَّ مضى أروعا
تدور إليه قلوبُ الرجال ... إذا قضت الحرْبُ أن تفزعا
وما أوهن الدَّأبُ إصراره ... ولا كدَّه الهولُ أو ضعضعا
وجاهد في الله مستيقنا ... وبشر أصحابهُ مؤمنا
وذكرهم جنة الصابرين ... وكيف أعدت لهم مسكنا
وكيف يخوض اللظي باسما ... ويستقبل الموتَ من آمنا
وما يذكرُ اليوم إلا الجهادْ ... وإن طال عمن أحبَّ البِعادْ
فلا شيء إلا خيالٌ يُلمُّ ... تضيء الوهادُ به والنِّجاد
وينساه حين يضيء الصباحُ ... ويمحو الضحى ما احتواه الرقاد
وينسى الربيعَ ووشى الزَّهَرْ ... وصفو الضحى وسكونَ النهَرْ
وينسى من الصيف آصاله ... وسحر العشايا به والبُكَر
فما غيرُ نارٍ أحاطت به ... وما غير رملٍ يرى أو صخر
ضحوكٌ ووجه الضحي عابِس ... وللموت في نفسه هاجِسُ
توحشت الأرض من حولِه ... وما ضلَّ قلبٌ له آنس
يزيد هدىً عنده الموقنونَ ... ويبرأ من يأسه اليائس
وأحدق يوماً به فيْلقُ ... فرحب بالموت إذ أطبقوا
وقاتل حتى استحال القتالُ ... وحتى هوى البطلُ المرهقُ
فلله جسمٌ له نازفٌ ... ولله روحٌ لهُ تزهقُ!
تبسم إذ يردُ الموردا ... وحين تربد وجْهُ الرَّدى
فتى همه كان خوض الحتوف ... وكم بات يرتقبُ الموعدا
وما زال يركبُ أهوالها ... إلى أن قضى الله فاستُشهدا
على الأرض سالت دماء الشهيد ... فلله موتُ الكمىِّ النجيدْ