قلت لصديقي: لك الله من رجل غريب الأطوار! لقد أضفتنا الليلة ودعوتنا إلى تناول العشاء معك، فأين المطعم وأصناف الطعام المطبوخ من هذه الحانة والزجاجات والأقداح (والمزات) آليت على نفسك مخالفة المألوف واتباع هوى النفس وبداواتها في كل شيء؟؟
-: خل عنك يا صاح الملاحظات والمعارضات لأننا في ليلة خمر وانتهاب لذة، هيا أيها الرفاق إلى الأقداح الدهاق نقرعها، والى الزجاجات نفرغها في أجوافنا، فتمشي فينا الحمّيا، فتدور رؤوسنا فتسابق الدورات الزمنية، وبذلك نطوي الصفحة القاتمة من تاريخ الحزن الماضي وعقابيله المؤلمة، ونستقبل حياة جديدة بنفس مشعشعة وفرحة وضاءة
- أي حزن تعني؟ لأن أحزان هذا العصر تشملنا من كل صوب وتغمزنا كل مغمز!!
على رسلكم أيها السادة، جئنا لنشرب ونطرب لا لنتزمت ونتفلسف، لندع عنا تقعرات صاحبنا هذا الذي يود مسابقة الدورة الزمنية ليطوي الحزن وعقابيله!! أما أنا فوالله العظيم لا أعرف كلمة عقابيل هذه ولا سمعت بها، إنما أعرف ماركات زجاجات الوسكي كلها، وأتذوق شرابها وأميزه، وأحسن الفتك بأفراخ الحمام والدجاج، ولا أتورع عن البطش بهذا الديك الرومي نكاية بفنزيلوس
وقال آخر: اشربوا واطربوا أيها الرفاق، فوالله ما عرفت سر عجيبة السيد المسيح الأولى وقد حول الماء إلى خمر، إلا وقتما صرت أنكر قول الحكيم سليمان:(قليل من الخمر يفرح قلب الإنسان)
- ليس الحق في جانب سليمان الحكيم، لأن القليل من الخمر يفرح القلب الضعيف. أما الكثير منه والعبّ الوفير من ذوبه الذهبي فيحيي العقل والقلب والروح!!!
- راعوا أيها الإخوان حرمة وسدانة الحانة التي أنتم فيها وصونوا ألسنتكم عن الاستشهاد بالآيات وذكر العجائب في مكان آيته الكبرى خمرته البكر وعجيبته الغادرة، دعوة صاحبنا إليه، وأنا الذي تعرفني حانات المدينة كلها، ولا تجهلني إلا هذه البؤرة التي لا يسكنها سوى شيطان مثله ليتوارى عن أعين الناس