استيقظ أهل طيبة في هَدْأَة الفجر الأول من أيام الربيع على أصوات طبول فرعون التي أخذت تدوي في الأفق، وترن في ظلال المعابد، وتنسكب مع الشفق الوردي في أذني أمون رع وترف فوق مسلات الكرنك مع هُورس الكريم
واستيقظت الآلهة كلها تبارك الجيش، وتحرس صاحب الجلالة وتغسل الأعلام المصرية المنشرة بدموع الندى. . . تلك الدموع العطرية التي كانت تترقرق من أعين الربيع مما هزّه من فرح، وما سوى فيه من شباب فرعون
واهتز حابي العظيم تحت الأسطول اللّجِب الذي صدحت موسيقاه لتمتزج بموسيقى الجيش، فتتدفق في قلوب الشعب المزدحم فوق العدوتين ألحاناً من الحماسة، ونورانية من الحب، وقدسيةً من الولاء، تنعقد فوق هامة المليك هالةً من إعزاز رعاياه، وإكليلاً من وفاء الأمة النبيلة صاحبة المجد. . .
ويل للحثيين!!
لقد أغراهم بمصر أن رأوا على عرشها الملك الشاب تحتمس فغرتهم الأماني، وهاجت في قلوبهم الأحقاد القديمة، ووسوست لهم شياطينهم أنها الفرصة النادرة التي يدركون بها ما لم يدركوه في عهد آبائه، فتألبوا، وثاروا، وجمعوا الجموع لغزو مصر
ولكن. . . طاشت أحلامهم. . . ففوق عرش النيل ملك، وفي مصر أمة، وملء الوجهين قلوب فياضة بحب فرعون يوجهها أنى يشاء. . . وهاهو ذا الجيش تنتظم صفوفه كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، وهاهو ذا الأسطول يتهادى على أعراف الموج في النيل نحو الشمال. . . وهاهي مصر كلها تحملق مُغضَبة نحو المشرق، ساخرة مستهزئة بأعدائها الكلاب الذين طالما حطمتهم في ديارهم، وألبستهم لباس الذل والخوف، فلما صفحت عنهم إذا هم ينْفِرُون!
واستيقظت حَتَاسُّو، عروس فرعون، وفتحت نافذتها لتشهد المنظر الرائع، ولترى إلى زوجها الشاب يستعرض الجيش وقد استوى فوق جواده الأبيض المختال، وراح يتهادى بين صفوف الجند، كأنما يرسل من عينيه المصريتين سحراً في قلوب المحاربين، ومن