يا شباب الوادي! خذوا معاني العظمة في نسقها الأعلى من
سيرة هذا العصامي العظيم. . . . . . . . .
- ١٦ -
وما كان إبراهام كما أسلفنا يطمع من وراء هذا النزال أن ينال لنفسه شيئاً؛ وهل عُرفتْ في خلقه غميزة منذ كان يقطع الأخشاب ليشتري بالمئات منه سروالاً؟ أو ليست كراهته لنظام العبيد ترجع إلى صدر شبابه؟ أو لم يتنز بالألم قلبه يوم سافر إلى نيو أورليانز في تجارة لأحد الناس ورأى هنالك أسواق الرقيق ووقعت عيناه فيما وقعتا على تلك الفتاة التي عرضت نصف عارية على الأنظار كأنها مهرة كريمة؟
منذ ذلك اليوم وهو يسير إلى غاية، شعر بذلك أو لم يشعر به؛ فلقد استقر في نفسه مالا تقعد معه عن العمل أو تنصرف عن الغاية، فكانت ثمة عزيمة تهون أمامها جسيمات الأمور، وكانت ثمة رسالة يحلو في سبيلها الجهاد ويطيب الاستشهاد؛ ومرد ذلك كله إلى قلب إنساني كبير ونفس مطمئنة صابرة، وبصيرة، كأنما تشرف من حاضرها على المستقبل فلا تقف من دونها حجب الغيب. . .
إنه اليوم كما أراد حزبه ينافس دوجلاس على مقعد في مجلس الشيوخ فهل كان ذلك قصارى همه؟ كلا. وما كان بعض همه أن يرقى إلى كرسي الرياسة ذاته؛ وإنما كان همه أن تتحقق مبادئه ولو بدل في سبيلها نفسه؛ ولن يكون مقعد الشيوخ أو كرسي الرياسة عنده أمراً ذا بال إلا أن يكون وسيلة إلى السير بمبادئه إلى حيث يعتنقها الناس؛ وإلا فما الجاه والثراء والحكم عنده إلا من صغيرات الأمور؛ وهو إنما ينفر من كل أولئك بطبعه الذي يعزف عن الزهو، ويتخوف دواعي البطر. . .