للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وإن أمثال ابن الأحراج هذا في تاريخ البشرية لقليلون، ولكنهم هم الذين رسموا لها طريقها، وولوها قبلتها التي ارتضوها لها وأشاروا بأيديهم إليها، وما كان أتعس البشرية لو أنها افتقدت هؤلاء الذين يتمثل بهم ضميرهم أناساً يمشون على الأرض

قال إبراهام ذات يوم من أيام ذلك النزال (لست أدعي أنها السادة أني غير أناني، ولن أتظاهر بأني لا أحب أن أذهب إلى مجلس الشيوخ، كلا لن آتي هذا الادعاء المنافق، ولكني أقول لكم إنه في هذا الجدال الصارم، ليس يعنيكم ولا يعني عامة الناس من هذه الأمة ما إذا كان القاضي دوجلاس أو ما إذا كنت أنا بحيث تستمعون عنا بعد هذه الليلة أو لا تستمعون. وبما كان هذا أمراً تافهاً بالنسبة لكلينا، ولكنه إذا اعتبر من حيث علاقته بتلك المسألة العظيمة التي ربما كان يتوقف عليها مصير هذا الشعب فانه يكون في حكم العدم)

هذا هو ابراهام رجل المبدأ لا يعنيه أن يظفر أو أن ينهزم، وإنما تعنيه تلك المسألة العظيمة؛ ولن يهدأ له بال حتى تحل أو تسير في سبيلها إلى الحل

وأنى لدوجلاس أن يقف في وجه تلك القوة العاتية؟ أنى له أن ينال من ذلك الذي يتكلم فيخيل إلى سامعيه كان الأخلاق نفسها تقول كلمتها. حاول دوجلاس أن يعبر مرة عن عدم المبالاة من جانبه في مسألة العبيد فانبرى له ابراهام قائلاً: (إنني أبغض مثل هذا المظهر، مظهر عدم المبالاة. . . إن من شأنه أن يضعف حاسة العدالة في دولتنا، وإنه ليعطي أعداء النظام الدستوري السلمي شبه حق أن ينظروا إلينا كأننا منافقون، كما أنه في نفس الوقت يمد أنصار الحرية الحقيقيين بسبب وجيه لتشككهم في إخلاصنا). . . وقال في معرض آخر:

(إنكم باعتيادكم أن تطئوا حقوق غيركم إنما تفقدون بذلك حقيقة استقلالكم أنتم، وتصبحون طعمة لكل طاغية يخرج من بينكم. دعوني أخبركم أن مثل هذا إنما يعده لكم منطق التاريخ، إذا جاءت أدوار الانتخاب الآتية بحيث تجعل الحكم في قضية دردسكت التالية وغيره من الأحكام أمراً يقبله الناس. إنكم تستطيعون أن تخدعوا كافة الناس ردحاً من الوقت وبعض الناس طول الوقت، ولكنكم لن تستطيعوا أن تخدعوا جميع الناس طيلة الأبد)

بمثل هذا المنطق السائغ، وبمثل هذه العبارات السهلة الأخاذة كان ابراهام يأخذ الطريق

<<  <  ج:
ص:  >  >>