هنأ مجلس الوزراء في جلسة من جلساته الأخيرة صاحب المعالي الدكتور طه حسين بك على انتصاره المبين الحاسم في معركة صال فيها الجهل والتجهيل قرنا وبعض القرن فلم تعرف مصر فيها غير الهزيمة منذ أدارها القائد الأول مصطفى مختار الدويدار سنة ١٨٣٦ حتى اليوم، فكانت هذه التهنئة الرسمية اصدق كلام عبرت به الحكومة عن رأي الشعب.
والواقع أن ما صنعه وزير المعارف لأمته في هذه المدة القصيرة يستحق رضا الله وارتياح المليك وشكر الحكومة وتقدير الوطن: يستحق رضا الله لأن مجاهدة الجهل كمجاهدة الكفر عمل من أعمال الرسل تبذل فيه قوى النفس، وتهجر في سبيله راحة القلب، ولا يصبر عليه إلا أولو العزم، ولا يقصد به غير وجه الله.
ويستحق ارتياح المليكلأنمجانية التعليم في كل مدرسة، وتيسير التعلم في كل جامعة، هما أول الوعود التي أنجزتها الحكومة من خطبة العرش على هذه الصورة الفريدة.
ويستحق شكر الحكومة لأنهذه الوثبة الجريئة التي وثبتها وزارة المعارف في فترة هذا الصيف قد حركت الأيدي، وشغلت الألسن، وأذهلت القلوب، فلم يقطن الناس لهذا العطل الذي أصاب أداة الحكم في الوزارات الأخرى. ويستحق تقدير الوطن لأنوزير المعارف قد حقق الاشتراكية في العلم فجعله كالماء والهواء لا يحول دونه قصور آلة ولا ضعف حيلة، ولا تصد عنه قلة مال ولا تقدم سن. ورخص الأمية والجهالة عن كرامة مصر أمر له ما بعده من يقظة الوعي واطراد التقدم واستكمال السيادة وشيوع الرخاء وضمان السعادة.
يا عجبا أشد العجب! وزارة المعارف هي وزارة المعارف، والموظفون هم الموظفون، و (المالية) هي المالية، و (الأشغال) هي الأشغال، والمطبعة هي المطبعة، فكيف كان هؤلاء جميعا يقفون من مشكلة التعليم وقفة الحائر أو الجائر أو السهوان، يقولون ولا يفعلون، ويضطربون ولا يسيرون، ويسألون ولا يجيبون! وكيف أصبح هؤلاء جميعا وقد وقفوا من هذه المشكلة نفسها موقف المؤمن المصمم اليقظان، يفعلون ولا يقولون، ويقدمون ولا يحجمون، ويجيبون ولا يسألون؛ ففي أربعة أشهر يدبر المال، وتبنى الفصول، ويحشد المعلمون، وتطبع الكتب، وتعد الأدوات، فلا يقبل اليوم الأول من العام الدراسي حتى يجد كل طالب مدرسته ومعلمه وكتبه وأداته، من غير أجر يعطى، ولا تعب يكابد ولا وجه