قلنا إن من الخير والواجب عند تاريخ التقاليد والحقائق الأخلاقية أن يلاحظ الباحث ما كان من اختلاف بل تناقض أحياناً بين كثير من التقاليد الضيقة، وما كان من تشابه عجيب وانسجام نادر بين المثل الأخلاقية العليا التي عارض بها دعاة الإصلاح وفلاسفة الأخلاق ومعلمو الإنسانية تلك التقاليد. وذلك ما يدعو للقول بأن هؤلاء المصلحين كانوا يصدون عن معين واحد فيما وقفوا أنفسهم على تحقيقه
من الممكن أن نذكر في معرض التمثيل لذلك في الأزمنة العريقة في القدم حكيمي الهند والصين (بوذا وكونفشيوس) وسقراط الإغريق وأنبياء بني إسرائيل وفلاسفتهم وحكماءهم، وأخيراً المسيح ومحمداً عليهم أفضل الصلاة والسلام
في تراث الهند الروحي وتعاليمها السامية يجد الباحث تعاليم أخلاقية صالحة حقاً، أو يجب أن تكون كذلك لكل الناس. منها: لا تقتل، لا تكذب، لا تشرب المسكرات، لا تأخذ مال غيرك ولا زوجته. هذا بعض التعاليم السلبية؛ وفي التعاليم الإيجابية نجد الأمر بالصبر والرحمة والتسامح والإغضاء عن الأذى ونكران الذات والتضحية في سبيل الغير. يقول بوذا نفسه في بيان وجوب مقابلة السيئة بالحسنة:(إذا كان الحقد يرد على الحقد بالمثل كيف ينتهي إذن). وللبوذيين مثل بديع في وجوب الإحسان هو (أن أرنباً لا يملك قوته عز عليه أن يرد سائلاً طلب ما يمسك به رمقه، فشوى نفسه له حتى لا يرجع خائباً) هذا المثل يبين بإعجاب كيف يجب أن يساعد المرء غيره بما يملك من وقت ومال، بل وبذات نفسه أيضاً. ويحضرني في هذه المناسبة قول الشاعر العربي:
ولو لم يكن في كفه غير نفسه ... لجاد بها فلْيتق الله سائله
وإذا تركنا الهند إلى الصين نجد كونفشيوس حكيمها الأكبر يبشر في القرن السادس قبل الميلاد كسابقه بأخلاق يحكم العقل السليم بصلاحيتها للجميع، كأن يوصي بالاعتراف بالخير والجميل للأموات، بالشفقة البنوية، بالإخلاص الأخوي، بالأدب الذي منبعه القلب، بالمعاملة الحسنة لجميع الناس على السواء. بعض كلماته تمثل نمطاً عالمياً من التفكير