إن ما سطرته في سفر الجهاد والبطولة، وما ضربته من المثل الرائعة الجليلة، منذ حلت بك المحنة، ووفد عليك البلاء كان شآبيب الرحمة والغفران على أجداث آبائك الصيد الذين شادوا الدولة العربية قديماً؛ وسيظل رمزاً نبيلاً لأبناء العروبة يثير حميتهم إذا ونت، وبشحذ عزائمهم إذا فترت. فقد أبيت الضيم في شمم وكبرياء، ونهضت تذودين عن الحق المهضوم بقلب باسل ذمر يعاف الجنف والاستخذاء، وكلما ظن الدخيل أنها جذوة نار عما قريب تخمد زادتها حرارة إيمانك ضراماً فبذلت النفوس بذل السماح، فمن مات كان للوطن ضحية وقرباناً، ومن عاش كان للشرف نموذجاً وعنواناً. لقد هزم صبرك المال وسطوته، وقهر إيمانك الجيش وعدته. وقفت وحدك ردحاً من الزمن تذودين عن الحمى، وتصونين العربية، حتى عرف أبناء التاميز صدق جهادك وفقهوا كنه قضيتك، فأصدروا كتابهم الأبيض، وبه إقرار لبعض حقك على أن يكون لبنيك الغلبة في ديارهم، حكومة وعدداً، وأن تقف الهجرة الصهيونية في عامنا هذا
ثم انفجر مسعر الحرب ولف أوارها العالم في ريظته، وأبينا إلا أن نقف مع خصومنا بالأمس موقفاً يمثل نفسيتنا العربية الكريمة فبسطنا لهم أكف الصداقة في إخلاص لا تشوبه مداجاة أو رياء؛ لعلمنا أنهم يدافعون عن الحريات المسلوبة، ويقفون في وجه الجبروت والبغي، وعنجهية العنصر، والسيطرة الفردية؛ بل وبذلنا في سبيل نصرتهم كل ما قدرنا عليه، لم ندخر وسعاً، ونأل جهداً، ولم نكن يوماً على ذلك بآسفين.
دعوى اليهود
وإن تعجب فعجب لقوم يريدون أن يغتصبوا دياراً يعمرها أهلها منذ أربعة عشر قرناً بدعوى أنهم كانوا يقيمون بها قبل أن نضرب عليهم الذلة والمسكنة ويشردوا في الآفاق؛ مع أن دولتهم بها لم تزد عن قرنين!