وما ذنب العرب في أن اليهود لا يجدون لهم وطناً يأوون إليه؟ ولماذا تحل قضيتهم على حساب العرب وهم آمنون وادعون في ديارهم التي نزحوا إليها في الجاهلية، وفتحها أسلافهم بحد السيف وطردوا منها الرومان في الإسلام؟
إن الذنب في الواقع ذنب اليهود فهم لم يندمجوا يوماً ما في الشعوب التي نزحوا إلى ديارها، ولم يشاركوهم في السراء والضراء، بل ظلوا بمنأى عن ميادين الجهاد والتضحية، وجل همهم ادخار الثروات والنفوذ؛ وهذا ما بغضهم إلى كثير من الأمم فاضطهدوا في حقب التاريخ المتتابعة. ولو أخلصوا لأوطانهم التي أقاموا بها واتخذوا اليهودية شعاراً دينياً فحسب ما أساء إليهم أحد
سألت كثيراً من اليهود بإنجلترا: هل يفضلون الهجرة لفلسطين على أن يسلبوا الجنسية الإنجليزية أو يؤثرون حالتهم الراهنة؟ فكان جوابهم جميعاً: إنهم لا يرضون بغير إنجلترا بديلاً. فإذا سألتهم: لماذا إذا تعاضدون فكرة الوطن القومي؟ أجابوا:(حتى إذا أسئ لنا هنا وجدنا بلداً نأوي إليه)، فإذا جادلتهم: إما أن تكونوا إنجليز وإما أن تكونوا يهوداً؛ لأن الإنجليزي إذا أسئ إليه في بلده لا يتنصل من جنسيته ولا يرحل عنها، أرتج عليهم ولم يجدوا جواباً
إن دعوى اليهود في فلسطين لا يبررها التاريخ، ولا يؤيدها الواقع ولا يناصرها العدل؛ وأولى لهم - إذا كانوا حقاً ينفرون من الاضطهاد أن يكونوا مواطنين أوفياء للشعوب التي آثروا الإقامة بينها، يبذلون من أموالهم وأنفسهم وذكائهم وتجاربهم في سبيل رفاهيتها وسعادتها، ولا يبتغون من وراء ذلك مادة أو جاها شأن الوطنيين المضحين المخلصين، وحينذاك لا يجدون من يجرؤ على قذفهم بالخيانة والجشع، أو من يحاول التحريض عليهم وإرهابهم
وإن لم يكن في قدرتهم التغلب على طبيعتهم التي زادتها القرون تمكناً والضرب في الآفاق إرهافاً، فالأجدر بهم أن يبحثوا عن بقعة أخرى من الأرض تضم شتاتهم، وهم نيف وستة عشر مليوناً في أرجاء المعمورة المتباينة. ولعل هؤلاء الذين يعطفون عليهم ويؤيدون طلبتهم في إنشاء وطن قومي، وفي طليعتهم (المرشال سمطس)، وبعض شيوخ الولايات المتحدة يكونون صادقين في حدبهم عليهم ورفقهم بهم فيقطعونهم منفسحاً من الأرض في