الصلة بين الكاتب والقارئ منوَّعة الألوان، فهنالك كاتب يحبه القارئ، وكاتب يعجب به القارئ، وكاتب يظفر بالحب والإعجاب
ومَرَدُّ الأمر إلى ذاتية الكاتب، فإن كان أدبه أدب وجدان فهو جدير بالحب، وإن كان أدبه أدب ذكاء فهو خليق بالإعجاب، وإن جمع بين الوجدان والذكاء فهو الكاتب المنشود، وهو الذاتية الكاملة فيما يرى أصحاب الأذواق وأرباب العقول
والظاهر أن الأدب الحق يأخذ زاده من الذكاء ومن الوجدان، فإن خلا من أحد هذين الزادين فهو عُرضة للضعف، وإن خلا منهما معاً فهو إلى فناء
وقد يظن بعض الناس أن الذكاء والوجدان من المواهب الثوابت، وأن من حق الموهوبين أن يتكلموا حين يريدون. وهذا توهم، فما يستطيع أعظم عقل أو أكبر قلب أن يجود بالمعاني في كل وقت، وإنما هي بوارق تَصدُر عن العقل والقلب من حين إلى أحايين
ومع هذا فمن المؤكد عندي أن العقول تُراض وأن القلوب تُراض، ولكن كيف؟
هنالك أغذية لا يعرفها مؤتمر الأغذية، وهي التأملات في دقائق الفروق بين الحيوات الحسية والمعنوية، وهي فروق لِطاف لا يدركها غير قلب الأديب وعقل الفيلسوف
والظاهر أيضاً أنه لابد من التزود بما سميته (الحاسّة الفنية) وهي حاسة لا توهب لجميع الناس، وإنما يختص الله بها من يشاء، وإلا فكيف جاز أن يكون النوابغ في كل أمة آحاداً وإن زاد أبناؤها على عشرات الملايين؟
إن الوجود كتابٌ مفتوح، ولكنه لا يُقرأ بسهولة، ولا يجتلي أسراره غيرُ أفراد، فكيف نصل إلى لُبابه المكنون؟
أعتقد أن مسئوليتنا نحو أنفسنا خطيرة، فنحن نضيع فرص التأمل، ونحن نتهيَّب ما يُغضب المجتمع، ونحن نجعل السلامة شارة النصر المبين