ويضيف. وكان شاتوبريان يبديء الصفحة ثم يعيدها على نحو ما كان يفعل لافونتين. ويقول بسكال إنه حرر بعض فصول (البروفنسيات) خمس عشرة مرة. ولو كشف أفذاذ الكتاب عن عاداتهم في الكتابة لما وجدت فيهم من يرسل الكلام كما يجيء، ويقيد الفكر كما يَعِن
ومعاذ الله أن تحمل هذا الكلام الواضح على محمل العجزة الكسالى من مفاليك الأدب وصعاليك الصحافة، فتفهم من الروية التكلف، ومن العمل الجهد، ومن التهذيب الصنعة المكشوفة، ومن التأنق الزخرف الكاذب. تلك عيوب سيجيئك الحديث عنها فيما يجيء. ولسنا اليوم بصدد الإفاضة في تحليل الصفات الفنية التي تميز كلاماً من كلام، وتقضي لأسلوب على أسلوب. ذلك موضوع الحديث المقبل، وإنما كان ما ذكرناه من ضرورة المعالجة والمراجعة والتخير، تذييلاً لابد منه لمناقشة الخلاف بين أنصار الجمع بين الفكرة والصورة، وبين أنصار التفريق بينهما على الوجه الذي رأيت؛ فإن من لوازم الجمع التروية والتجويد والعناية، ومن لوازم التفريق التساهل والإهمال والارتجال ومجافاة القواعد؛ وكلها من أعراض السرعة التي جعلناها في حديثنا الأول إحدى البلايا الثلاث التي تكابدها البلاغة في هذا العصر.