إن اتصال الشعر دائماً هو بالماضي وبالحال، فان اتصل بالمستقبل فذلك بواسطة الحاضر. فما يقدم لنا الشعر إما من قبل (كان) أو (يكون). ولكنه يجمع ويرتب الحقيقة من جديد. لذلك حينما يسعى لا خراج فكرة من تلبك الأمور الواقعية وتنافرها ونقائصها، يميل بطريق راهن إلى ما لم يجمع ولم يرتب. فالشاعر لا يمثل الواقع كما هو، بل يخلقه من جديد بقوة خياله. لذلك ليس الشعر هو التمثيل البحت للحقيقة، بل الخيال دائماً يكون أعظم جزء في أساسه. هذا ما يشرحه لنا شعر خسرو في البيتين الآتيين قالهما في مدح حاتم خان قال:
قلت للبحر أنت كريم مثل خان
فأجاب بصوت مرتجف لا! لا!
إن أمواجي الشحيحة تلقى عشباً لا قيمة له
ولكن حاتماً يبعثر الجواهر في فخره الكريم
إن الشاعر يجد في سعة الطبيعة مستودعاً كبيراً للأشباح والصور التي تعبر عن أدق المراتب للفكر الإنساني وعواطفه. ففي هذا المستودع تطوف روحه طليقة، وفيه تدبر وتفكر حتى تنتج. فالشاعر يشعر بكل مظهر حوله كأنه رمز لشيء يتعلق بالعالم الآخر، وكأن كل شيء مؤثر في حواسه شبيه بالغائب المحجوب، وكأن الطبيعة بأسرها محبوكة كالأعضاء بالمشابهة والمماثلة بما هو خفي فيها، وكأن كل وجود مستقل متصل في جميع فروعه بغيره بواسطة رمز دقيق. وهذا هو الفرق بين العلم والشعر، فان العالم يقسم ويحلل والشاعر يجمع ويركب. فأنت ترى كيف أن خسرو جمع بين رفع الحجاب عن وجه محبوبه، وطلوع الشمس، وصلاة الصبح، في البيت الآتي وأوجد بينها الاتصال الشعري الدقيق الجميل قال: