وقد وضع الإسلام حداً لهذه الوحشية واستهجنها القرآن ونهى عنها قوله (ولاَ تَقْتُلوا أولاَدَكُمْ خشيْة إمْلاَقٍ نحْنُ نَرْزُقهُمْ وإيَّاكم إنَّ قتْلَهُمْ كان خِطأً كبيراً) وربما كانت الأبيات التالية تفصح عن هذا تمام الإفصاح، وفيها نرى صراعا عنيفاً بين رجل وبين الفاقة، ويحمد الله أن كان مصرع ابنته قبل مصرعه حتى لا تكون تحت رحمة أقاربها:
لولا أُمَيْمَةُ لمْ أجزَع منَ الْعَدَمِ ... ولم أُقاسِ الدُّجَى في حِنْدِسِ الظلم
أحشى فظَاظَةَ عَمٍّ أو جفاءٍ أخِ ... وكنتُ أُبقي عليها من أذى الكلِم
ويقول آخر في هذا الموضوع:
لولا بُنيَّاتٌ كزُغب القَطا ... رُدِدنَ منْ بَعضٍ إلى بَعضِ
لكانَ لي مضطرب واسعٌ ... في الأرض ذاتِ الطولِ والعرَضِ
وإنِّمَا أولادُنا بينَنَا ... أكبادُنا تمشي على الأرض
لو هبَّتِ الرِّيحُ على بعضِهِم ... لامتنَعَتْ عينِي مِنَ الغْمْضِ
الحب والبغض هاتان الكلمتان هما جماع الآداب البدوية؛ لأنه إذا كان العربي - كما رأينا - صديقاً حميما لخلانّه، فانه عدو لدود لا يهدأ له بال إذا عادى؛ تضطرم نفسه وتتأجج بنيران الحقد والبغضاء، وكانوا يعدون من لا يرد اللطمة التي أصابته جباناً، ويستحيل على الرجل الكريم المحتد منهم أن ينسى ضرراً لحقه حتى يثأر لنفسه وينتقم لها، وأنشد بعض الأعراب، - وقد آلمه أن يغتصب المغير إبله - أبياتاً يقول فيها عن عشيرته التي لم تساعده في استرجاعها: