للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مقتضيات الحروب الحديثة]

للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

كانت الحرب في الأزمنة القديمة لا تدور أرحاؤها إلا بين الجيوش: أي بين الجماعات المجعولة للقتال والمدربة عليه ولا عمل لها في الحياة إلا هذا؛ ومتى غلب جيش جيشاً وألحق به هزيمة تضعضعه وتمنع أن تكون له قدرة على الكر انتهى الأمر ووضعت الحرب أوزارها وسلم المغلوب للغالب بما تفرضه القوة الراجحة. ولكن الحال اختلفت في عصرنا هذا وصارت الحرب صراعاً بين الأمم والشعوب لا بين الجيوش المحترفة وحدها؛ وهذا بعض ما أفضى إليه التقدم الآلي في النواحي المختلفة. فلم تعد الجيوش وحدها تكفي، ولم يبق من الممكن الاجتزاء بها والتعويل عليها وحدها كما كان الحال في العصور الغابرة، بل صارت الحالة تدعو إلى إعداد الأمة كلها للحرب وتدريب كل فرد من أفرادها على فنونها وتهيئته لما تقتضيه حاجاتها ومطالبها؛ وما نرى من عناية الدول المختلفة بأن ينشأ شبانها نشأة عسكرية من الصغر وتدريبهم على الحركات الحربية واستعمال أدوات القتال البرية والبحرية والجوية لتكون منهم للدولة ذخيرة تستمد منها وتعتمد عليها إذا وقعت الواقعة. وقد توسعت الدول في هذا الاستعداد حتى امتد الأمر إلى المرأة، فالطالبات أيضاً لهن فرق يتعلمن هذه الحركات العسكرية ويحملن البنادق ويتدربن على تسديدها إلى الأهداف وعلى مشقات الحياة في الخنادق فضلا عن واجبات التمريض والصناعات اللازمة للحرب مثل الذخيرة وما إلى ذلك؛ وهو توسع في الأهبة لا حيلة فيه ولا مفر منه إذا شاءت الأمة أن تأمن وتطمئن بعد أن صار من السهل أن يتخطى العدو الجيوش الراصدة له وأن يمطر القرى والمدن وابلاً من القنابل المخربة والغازات الفتاكة. وبعد أن أصبح كل شيء وكل مكان صالحاً لأن يكون غرضاً للعدو وميدان للقتال

ولم يسع الأمم العربية والشرقية إلا أن تحتذي هذا المثال، وإلا أن تنسج على ذلك المنوال. ففي تركيا تتدرب الفتيات كما يتدرب الفتيان على أساليب الحرب وآلاتها بلا فرق. وفي العراق أدخل التعليم العسكري في المدارس الثانوية، فكل طالب فيها يتلقى هذا التعليم كما يتلقى غيره من العلوم والمعارف المدنية في الساحات المجعولة لذلك؛ وقد سميت فرق الطلبة: (فرق الفتوة). وكنا قد شرعنا في مثل ذلك في مصر ولكن على غير نهج مقرر أو

<<  <  ج:
ص:  >  >>