عربية كريمة، تنمي إلى أمة تألف الذل مرة، ولكن رحب البيد أحكم أعزها فما شئت من قلب أبي، ومنطق سليم، وعقل أنضجته التجارب، ونفس ترى الدنيا لديها رخيصة، إذا كان في الدنيا هوان يشينها: إلى كل شهم أريحي تزينه، خلال كروض الزهر طاب عبيرها:
إذا سيم ضيماً كان للضيم منكراً ... وكان لدى الهيجاء يخشى ويرهب
وإن صوت الداعي إلى الخير مرة ... أجاب لما يدعو له حين يُكرب
أبى على هذه العربية جدها النكد إلا ترسف في ذل الأسر غب حرب من تلك الحروب الطويلة التي ظل أوارها مشتعلاً حقباً مديدة بين العرب، الذين حملهم الله رسالة الإسلام، لينقذوا بها البشرية الكليمة، وبين الروم الذين أدال الله منهم ووضع أنوفهم في الرغام، وإن لم ينسوا أعزهم الغابر، فظلوا يغيرون على أطراف الدولة العربية الشاسعة كلما هبت عليهم نسمة من قوة، أو غرتهم من المسلمين غفلة عارضة.
وفي ذات يوم لطمها سيدها الرومي على وجهها الحر الكريم فوخزها ألم الذل وخزة صاحت على أثرها تستنجد الخليفة العربي العظيم: وامعتصماه! وامعتصماه! فضحك اعلج ملء شدقيه ونظر إليها نظرة الشامت الجبان، وقال: وماذا عساه يفعل المعتصم؟ أيجيء على أبلق وينصرك؟! إنك ذليلة كسيرة، وقد كتبت عليك الشقوة، وهيهات أن يستجيب لندائك الوقح هذا الذي تنادين! ثم أشبعها ضرباً ولطماً، وهي تنادي وامعتصماه! وامعتصماه!
جاء رجل إلى المعتصم، وبلغه نبأ هذه العربية الكريمة، فانتفضت نفس الخليفة الجليل انتفاضة الألم، وسأل الرجل: وأين هذه المرأة؟ فأجاب: إنها في عمورية يا أمير المؤمنين، فقال المعتصم: وفي أي جهة عمورية؟ فأشار الرجل إلى جهتها، فنادى المعتصم بأعلى صوته: لبيك يا ابنة الكرام! لبيك! ثم لبيك! هذا المعتصم بالله أجابك!
وتجهز المعتصم من فوره إليها في أثنى عشر ألف أبلق تطوي سنابكها الأرض طياً لتغيث الملهوف وتستجيب للنداء الأبي.
وكانت عمورية مدينة عانية، قد أحكم تحصينها، وبها من جنود العدو تسعون ألفاً أو