يا أيها الجبار، خفف الوطء فما أنت سوى ثرى يمشي فوق ثرى، وما هذا اللقب الذي تفخر به سوى سيما الذل والضعة اتسمت بها لأنك تعبدت - في غير رجولة - لرجل من الناس، وما هذا المال الذي تعتز به سوى لعنات الفقير تنصب عليك أبداً لأنك استلبته في غير شفقة - من مساك الروح!
يا أيها الجبار، لقد عميت فجذبك الثرى الأرضي إليه لتكون أرضياً في نوازعك ترتدغ في الوحل، ولتطردك روحانية السماء من نورها ومن رحمتها في وقت معاً!
هذا صاحبي رجل فيه الرجولة والإنسانية، وفيه الكرامة والترفع، وفيه الإباء والإيمان؛ فهو قد شب ونما واشد غرسه في ظلام القرية، وترعرع واتد رأيه في كنف الدين. وهو من بيت فيه القناعة والرضا، يسمو عن النوازع الوضيعة بالقناعة ويتنسم روح الجنة في الرضا، لا تشغله حاجات العيش عن معاني المسجد، ولا تصرفه صوارف الحياة عن نور اليقين. والحياة في أعماق القرية لا تندفع إلى الطمع ولا تغري بجشع؛ فاطمأن صاحبي إلى روق ضيق وإيمان واسع، وهدأ إلى بيت خاو وقلب عامر؛ وانطوت الأيام. . .
وأحس صاحبي بدوم الشباب الحار يتدفق في عروقه ويفور، فانطلق إلى فتاة من ذوي قرابته يخطبها لنفسه فما رفض أبوها ولا تمنعت أمها، فإذا هو زوج إلى جانب زوجة رفيقة طيعة. وراح الرجل - كدا ًبه أبداً - يتسلل من الدار كل صباح - لدى الفجر - إلى الجامع يبتغي أن يتجرد ساعة من أرضيته الثقيلة لتحلق روحه الطاهرة - حيناً - في صفاء السماء تطلب الهدوء والسكينة، وتسأل العطف الإلهي الذي يتراءى لها في صورة طفل يملأ الدار مرحاً وبهجة ويفعم القلب فرحاً وسروراً. وانتظر الرجل الهبة الإلهية طويلاً. . . انتظر طويلاً في غير جدوى. ولم يستطع الشيطان أن يتسرب غلى قلب