(ضلّت البشريةُ إن كان هذا مَبلغَها من العلم بالله!)
همس بها (زيدٌ) في أذن صحابته فالتفتوا إليه مذعورين يسألونه الصمت والحذر!
هذه بطون قريش جميعاً في عيد لهم عند صنم من أصنام الجاهلية مُلَبِّين ضارعين يعظّمونه وينحرون له عاكفين عليه. ذلك شأنهم في كل عيد. .
وأولئك أربعة نفر من قريش قد اجتمعوا لغير ما اجتمع آباؤهم وأبناؤهم واخوتهم من سائر قريش، ينظرون إلى القوم ضجيجهم حافين حول المعبود الأخرس لا يتكلمون، وعلى شفاههم بسمات، وفي أعينهم نظرات يخافتون بها، وفي صدورهم رغبات مكبوتة، لو تَأَتَّى لهم لأهْوَوْا على هذا المعبود فكُّبوه على وجههُ جذاذاً محّطما!
وانتبذ الأصدقاء الأربعة ناحيةً يتناجون في همس، وإن المكان ليضجّ بمن فيه بين داعٍ ومُلَبّ وسائل ومستغفر. وعاد الرجل يقول لصاحبه:
(أما والله إنكم لتعلمون ما قومكم على شيء؛ لقد أخطئوا دين أبيهم إبراهيم. ما حَجَرٌ نُطيف به لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع؟ يا قوم التمسوا لأنفسكم فإنكم والله ما أنتم على شيء!)
ويؤِّمن صاحبته على ما يقول
ذلك زيد بن عمرو بن نفيل، من بني عدي بن كعب؛ وأولئك أصحابه: ورقة بن نوفل، وعبيد الله بن جحش، وعثمان ابن الحارث.
أربعة نفر أضاء الله لهم على حين غفلة وضلال، فسبقوا قومهم إلى التوحيد والإيمان بالله؛ وجلسوا يداولون الرأي بينهم، فأجمعوا أمرهم على أن يتفرقوا في البلدان يسألون أهلَ العلم ما يعملون عن دين إبراهيم. . .
وأقام زيد بن عمرو بمكة زماناً، معتزلاً قوَمه وما يعبدون من دين الله؛ لا يؤاكلهم ولا يشاربهم، ولا يخشى أن يباديهم بالعيب على ما هم فيه، وحرمّ على نفسه ما أحُّلوا لأنفسهم من الميتة والدم وما ذُبح على النُّصب.
وعرف القرشيون ما أجمع عليه أمره، فاعتزلوه وخَّلوا بينه وبين نفسه، لكنه لم يخلِّ بينهم