وانتقل كوخ بزوجه ومتاع بيته إلى برِسْلاوة، وعُيّن فيها طبيبا للبلدية براتب قدره تسعون جنيها في العام، وكان قد افتُرِضَ عند تقدير المرتب أن كوخ لا شك سيضاعفه أضعافا بما يكسبه من مرضاه، وأن المرضى لا شك آتون إليهزرافات ووحدانا إذا شاع في البلد أنه قد حلّ به مثل هذه العبقرية الفذّة. هكذا ظن الأستاذ كوُن، وهكذا ظن الأستاذ كُون هايم؛ وفتح كوخ داره للناس، فلم يقرع بابه طارق واحد. عندئذ تعلم كوخ أن من مساوئ الطبيب أن يكون فِكِّيرا يبحث في علل الأشياء. وعاد أدراجه إلى قرية فُلِشتين عودة حنين بخُفيه، وفيها ظل يقتفي آثار المكروب، ويتجسّس الجراثيم، ويقتنص تلك الخلائق الدنيئة في أجحارها، تلك الموجودات المعدومات في حكم العين، التي تصل إلى جروح الإنسان والحيوان فتبُثّ فيها سمّا قاتلا. وظل يحرز في هذا الميدان السبق بعد السبق من عام ١٨٧٨ إلى عام ١٨٨٠، وتعّلم أن يَصْبُغ كل نوع من أنواع البشلاّت صَبْغاتٍ مختلفات لتظهر صُغرها بَيْنة الجرم فيما حولها واضحة الحدود. واقتصد شيئا من المال، ولا يدري إلا الله كيف اقتصده، وأشترى كمِرةً ربط عدستها بمكروسكوبه، وتعلم وحده كيف يصوّر بها تلك الخلائق الصغيرة
قال كوخ:(ليس في استطاعة المرء أن يقنع العالم بحقيقة هذه المكروبات حتى يريهم صُوَرا منها. وفوق هذا فالمجهر الواحد لا يستطيع النظر فيه اثنان في آن، وهما إذا نظرا استحال عليهما أن يَنْقلا عن المكروبة الواحدة صورةً واحدة، وإذَنْ يكون خصام وانقسام. أما الصور الفوتوغرافية فلا تكذب، ويستطيع العشرة من الرجال أن ينظروها معاً، ويدرسوها سوياً، ويخرجوا منها على نتيجة واحدة لا سبيل للخُلف فيها) على هذا النحو أراد كوخ أن يدخل في هذا العلم الوليد شيئاً من النظام والانسجام مكان الهرجلة والتخليط، وشيئاً من الموسيقى والنغم المتسق بعد النشوز الذي آذى الآذان ردحا طويلا من الزمان