لا يظنن القارئ أننا نستطيع أن نوفي ابن ماجد حقه بمقالنا هذا، فذلك ما لا ندعيه وما لا يمكن أن نقول به، ولا سيما أن ناحية الملاحة عند العرب لا تزال غامضة لم تعط حقها من البحث. والتنقيب عدا أنها لا تدخل في دائرة اختصاصنا. وجل ما أقصده من هذه العجالة إعطاء فكرة عن ابن ماجد عسى أن يكون في ذلك حفز الهمم للعناية بالمآثر والإسلامية والآثار العربية في شتى النواحي، وعسى أن يكون في ذلك إثارة العزائم للكشف عن آثار أحاطها إهمالنا بالغموض والإبهام. إن حياة ابن ماجد حافلة بالأعمال، وقد تركت آثارا جليلة، وهي صفحة لامعة في التراث الإسلامي، يحق لنا أن نباهي أمم الأرض بها كما يباهي البرتغاليون بصفحة فاسكو دي غاما الذي طاف حول الأرض. وجدير بالمنقبين من أبناء هذه الأمة أن يخرجوها للنشء حتى تثير فيه ما يحي خصائصه الممتازة. نريد بل نطلب من أحد المتخصصين في التاريخ الإسلامي أن يتخصص في ناحية الملاحة عند العرب والمسلمين، وفي تاريخ إنشاء الأساطيل عندهم، ونريد منه أن يبحث ويدقق، حتى يخرج من ذلك بسفر جامع يكون جزءاً من الثقافة الحديثة يمكن للخاص والعام أن يستفيد منه، وإن في تلك الاستفادة ما يخلق في النفوس روح الإقدام وروح الاعتقاد بالقابلية والنبوغ، ولا يخفى ما في هذا كله من قوى تدفع بالأمة إلى المجد والسؤدد.
كان العرب في بدء فتوحهم يخافون البحر ويهابونه، وكيف لا يخافونه ويهابونه، وهم أهل صحراء منقطعون عنه لم يتعودوا رؤيته فكيف بركوبه. . . ولم يكن الخلفاء الراشدون يشجعون على ركوب البحار لخوفهم على أرواح المسلمين؛ وقد جاء أن الخليفة عمر بن الخطاب كان لا يشجع على ركوب البحر، وكثيراً ما عاقب الذين يخوضون عبابه، ويقال إنه عنف عرفجة بن هرثمة الأزدي لركوبه البحر حين غزوه عمان. وقد يكون السبب في منع الخلفاء هو خوفهم على المسلمين لنهم لم يكونوا أهل بحر ولم يتعودوا السير على أعواده. وبقى الأمر على هذه الحال إلى أن اتسعت الفتوح الإسلامية والعربية، وأصبح من العسير بل من المستحيل حماية بعض البلاد، ولا سيما وقد أصبح المسلمون مجاورين الرومان وقد رأوا أن الحاجة ماسة لحماية الشواطئ، ولقد اتخذوا في إنشاء السفن مثال