من كان يصدق أن فرنسا تقبل مثل هذه الشروط؟ ومن كان يصدق أن وزارة المارشال بتان العسكرية تعتبر مثل هذه الشروط التي فرضتها ألمانيا على فرنسا شروط صلح شريف؟ ولعله يتيسر لنا أن نقدر فداحة النكبة الفرنسية إذا فرضنا أسوأ الفروض، ثم قارنا بين ذلك الفرض السيئ وبين ما قبلته فرنسا الآن
وأكبر النكبات القومية إطلاقاً هي احتلال أرض الدولة، ونزع السلطة من يد حكومتها. وهذا ما فعلته ألمانيا مع فرنسا. ألم تحتل ثلثي أرضها وجميع شواطئها الغربية
فماذا بقي لفرنسا؟ أهي تلك الرقعة المحدودة المحاطة بجيوش الاحتلال من جميع جهاتها؟ أم هي السلطة التي منحت لوزرائها على أن يعملوا تحت المراقبة الألمانية النازية؟ أم هي المستعمرات التي فصلت عن أمها ولم يبق بينهما من رباط؟ أم هي القيود التي فرضت على الصناعة والتجارة والحرية في القول والعمل؟ ماذا بقي لفرنسا إلا موجة الحزن والأسى وندب الماضي المجيد والكرامة المهدرة؟
أنصار الهزيمة
لقد بكي الكتاب فرنسا ممثلة في باريس ما وسعهم البكاء، وشكوا إلى العالم ما أصاب عاصمة النور والحرية ما وسعتهم الشكوى، ولسنا أنصار هزيمة، ولا شكوى، ولا أنين؛ ولكننا نتعلق بحبال قوية من الأمل، لا بخيوط ضعيفة من الرجاء؛ فلم تضع الحرب أوزارها، ولم يمل العدو شروطه بعد، بل إن الأمر ما زال تحت حكم الجنيه الذهبي، والعزيمة الصادقة
وإذا كانت دعوة أنصار الهزيمة قد طغت على بتان وفيجان ودارلان، فألقوا بسلاحهم، فما زالت دعوة أنصار النصر تطغي إلى دي جول وبلانشار وتشرشل. فالأولون شيوخ من أبناء المدرسة القديمة التي حكم من عزمها الفشل القريب، والأخيرون من أبناء المدرسة الحديثة التي يقوي من عزمها ما تجد في متناول يدها من موارد هائلة تكفي لكسب النصر،