وما تجد في دمائها من قوة تحبب إليها الموت على حياة تخسر فيها شرف بلادها وكرامتها
وإذا كان الاحتلال مسلماً بأمره اليوم، ومفروضاً فيه أن يستمر إلى نهاية الحرب؛ فلسنا نجد مبرراً واحداً يتيح لوزارة بتان أن تتخلى عن القتال؛ اللهم إلا إذا كانت شهوة الحكم بضعة شهور، وهي شهوة لا تلبث أن تموت في نفوس أصحابها إذا انقضت ساعة الشهوة وأتت ساعة التفكير في المصير، ولا تلبث هذه الشهوة أيضاً أن تنقلب إلى ندم وتكفير، حيث لا ينفع ندم ولا تكفير
شهوة الحكم
ونستطيع أن ندرك أثر هذه الشهوة في نفس بتان إذا عدنا إلى ماضيه. فقد حصل على مجد كبير، وتمتع باحترام لم يتمتع به فرنسي آخر، فهو البطل الذي احتفظ بفردان في أيدي الفرنسيين طول حرب سنة ١٩١٤ فكانت أخطر نتوء في صفوف الجيوش الألمانية، وكانت بمثابة المركز الذي أفسد عليهم سيطرتهم على خطوط مواصلاتهم. فهو رجل عظيم حقاً، ولكن عظمته عسكرية فحسب، فلم يتقلد مناصب الحكم، ولم يكن رئيس وزارة مرة واحدة. أفلا يتوق مثل هذا الشخص إلى أن يربط عظمته العسكرية بعظمة سياسية، ولا سيما وهو في آخر أيامه؟ أولا يتوق مثل هذا الرجل أيضاً إلى تخليد اسمه باشتراكه في هذا الحادث الفريد في تاريخ فرنسا؟ وهو تخليد مؤلم ولكن له مبرراته وخصوصاً في نظر الشيوخ فقد أصيبت الجيوش الفرنسية بخسائر فادحة، وانقضى الأمل في الدفاع عن فرنسا
وهو عذر كاف يرضي الشيوخ. ولكننا واثقون أن بيتان سنة ١٩١٤ لو وضع في مكان بيتان سنة ١٩٤٠ لما قبل هذه الشروط.
فالعزيمة التي ثبتت أربع سنوات وهي ترى بوادر الانحلال من حولها، والعزيمة التي قضت على مائة ألف ألماني في سنة ١٩١٤ ترفض رفضا باتا أن تخضع لانحلال يصيبها في ثلاثة أسابيع. ولكن هي الشيخوخة البالية، وحياة الرفاهية التي قضاها بتان في العشرين سنة الماضية بعيداً عن الحياة العسكرية جعلتاه ينظر إلى الموقف الحالي بمناظره الأسود