ليس فرحنا بأغنية الرياح الأربع أنها لشاعر مصري قديم يرجع زمنه إلى أربعة آلاف من السنين، بل لأنها نظمت بالعربية بعد زمان هذا الشاعر المصري القديم بأربعة آلاف من السنين؛ وقد نظمها شاعر مصري تسلمها منقوصة فسواها كاملة، وجعل منها آية فنية مشرقة البيان، حسنة السبك، فياضة بالحياة التي تملأ جميع جوانبها
فمن المقدمة القصيرة التي وضعها الأستاذ دريتون للأغنية والتي يقول فيها:(تقوم هذه الأغنية على الحوار فبعد أربع مقطوعات تغنى كلا منها فتاة يدخل رجل فيحييهن ويشرع في خطفهن ليستولي على الرياح الممثلة فيهن، فيغريهن بإثارة الفضول في نفوسهن، وذلك بأن يعرض عليهن زيارة سفينته. . . ولما قوبل طلبه بالرفض، لم يستسلم للهزيمة كما هو واضح من المقطوعة الأخيرة في الأغنية (إن وسائلي لا تنفد). ولكن لسوء الحظ لم نعثر على تكملة الأغنية والوسائل التي لجأ إليها الرجل. وأكبر الظن أنها مما يثير الشراهة التي تكشف مواطن الضعف في النساء). نستنتج أن الفصل الأول والفصل الأخير من تمثيلية الأستاذ علي محمود طه هما من ابتكاره. وأن الفن الرائع الذي لون به الفصل الثاني - وهو الفصل الذي تضمن الأغنية المصرية القديمة كلها تقريباً - هو من إنتاج قريحته الخصبة المبدعة. . . أثمره خياله المتجدد، وسرت فيه بالحياة شاعريته النابضة، ودوت فيه موسيقاه بألحان الجمال.
وقد يسأل بعض القراء: وما قيمة هذه الأغنية وماذا تتناوله من مشكلات الحياة؟ وليس أيسر من الرد على هذا بما ختمنا به مقالنا الأول عنها من أنها سحر وشعر وفن وجمال. . . إنها من قبيل هذه الدرامات الرائعة التي نظمها شيكسبير في صدر حياته. و (العاصفة)