أما آن للتاريخ أن ينصف هذا المصري الفلاح، وأن يحدد له
مكانه بين قواد حركتنا القومية؟
يذكر المصريون أسم عرابي فلا يبتعث هذا الاسم وا أسفاه في أذهانهم إلا صور العنف والنزق والحمق، وتراهم - وإن لم يقصدوا - يقرنون اسم عرابي بمعاني الهزيمة والاحتلال والمذلة كأن هذه المعاني من مرادفاته
وما اذكر مجلساً تطرق الحديث فيه إلى عرابي إلا وسرت في الوجوه كآبة، وتسابقت الألسن للهزء به وتعديد مساوئه وإبراز مثاليه. . .
والحق أنه قل أن نجد في رجالنا رجلاً ضاعت حسناته في سيئاته كما ضاعت حسنات عرابي المسكين فيما ارتكب وفيما افترى عليه من سيئات؛ وكذلك قل أن نجد في رجالنا رجلاً كرهه بنو قومه واستنكروا أعماله بقدر ما كره هؤلاء عرابيا واستنكروا ما فعل وما أسند إليه من الأعمال زوراً وإفكاً. وفي ذلك دليل قوي على أن التاريخ قد يظلم عامداً كما قد يخطئ غير عامد؛ وفيه كذلك دليل على أن الأمور كثيراً ما تجري فيه كما يرسم الحظ لا كما يضع العدل من قسطاس؛ فيكون نصيب بعض الرجال من التعظيم بقدر ما يتوافي لهم من حظ لا ندري كيف اتفق لهم دون غيرهم، بينما يجني على كثير من ذوي النفوس الصحيحة والعظمة الصادقة ما يلحق بهم من سوء الطالع وما يحيط بهم من نحس الأيام
وما كان عرابي فيما أعتقد أثقل الرجال وزراً وإن لم يكن أقلهم أخطاء. ولعلي أستطيع أن أجلو ذلك في سيرته بقدر ما أصل إليه من وجوه الصواب في تلك السيرة التي بالغ كثير من ذوي الأغراض في تشويهها والحط من قدر صاحبها
ومهما يكن من الأمر فما أحسب من الناقمين على عرابي من يستطيع أن يماري في أنه كان زعيم حركة وداعية فكرة، وأنه - أخطأ أو أصاب - كان مخلصاً فيما يفعل وفيما يقول، وأنه قبل ذلك كله وفوق ذلك كله كان أول مصري فلاح في مصر الحديثة خرج من