منذ بضعة أعوام احتفل في فرنسا بتخليد ذكرى الكاتب القصصي الأشهر جي دي موباسان، وأقيم له نصب تذكاري في بلدة مسقط رأسه ميرومزنل؛ ونوه وزير المعارف في خطابه الذي ألقاه يومئذ بما لقيه موباسان أثناء حياته وبعد وفاته من النكران، وبما يجب لفنه وتراثه الرائع على الجيل الفتي من تقدير وعرفان، واليوم تصدر طبعة جديدة مصورة لتراث موباسان له يشترك في تصويرها بول فولكي وشاس لابورد وبونفليس من أعظم مصوري فرنسا. وقد صدرت منها الأجزاء الثلاثة الأولى بعناية الكاتب رينه ودمزنل مترجم موباسان مصورة بدراسة جديدة ضافية للنواحي البارزة في حياة القصصي الأكبر وفنه، وفيه يهدم دومزنل نظرية قديمة عن الأثر الذي تركه مرض موباسان العقلي في أعوامه الأخيرة في بعض قصصه، ولا سيما قصة (لاهورل) التي قيل عنها إنها دائماً تمثل مرحلة الاضطراب العقلي لموباسان؛ فيقول لنا دومزنل إن المرض شيء والقصة شيء آخر وإن موضوعها قد أعطى لموباسان من صديقه ليون هنك، وإن ما قيل بعد ذلك من أنها كتبت بقلم مجنون أو مخبول العقل إنما هو افتراء محض، ويستدل دومزنل بذلك على ما رواه الكاتب الإنكليزي فرنك هاريس في كتابه (حياتي وحوداث غرامي) وقد كان صديقاً حميماً لموباسان منذ سنة ١٨٨٠، ويتفق هاريس مع بعض أولئك الذين لقوا موباسان في أن مظهره لم يكن يدل على عبقرية أو مواهب ممتازة، وأنه كان في مجالسه الأدبية متحفظاً، ولما كتب (لاهورل) أرسل إلى فرنك هاريس يقول: (سيقول معظم النقدة إنني قد جننت، ولكن إياك أن تخدع بأقوالهم، فأنني متمتع بكامل صحتي وعقلي) فرد عليه هاريس في محادثة جرت بينهما بأن الروع الذي أثارته هذه القصة في نفسه (اي موباسان) لابد أن يكون قد أثر في أعصابه، فأكد له موباسان أنه مخطئ. ولكن هاريس يقص إلى جانب ذلك أن موباسان كان مفرطاً في مطارداته الغرامية، وأنه كان دائماً أبداً صريع الغانيات لا يكاد يفارقهن. والواقع أن موباسان كان عملاقاً جباراً يفر في كل شيء في العمل وفي اللهو؛ وما يكتبه عنه هاريس في كتابه يكشف عن حقائق وسوآت كثيرة في حياته وخلاله الشخصية لم يتناولها مترجموه وأصدقاؤه الذين كتبوا عنه