ثلاثة عوامل أساسية دفعت الإنسانية من حظيرة الهمجية التي رتعت فيها أجيالاً إلى مستوى المدنية الذي تتبوأ في يومها هذا. ولا تزال هذه العوامل دعائم مدنية الإنسان الثابتة وهي
(١) التقاليد الاجتماعية المتوارثة جيلاً بعد جيل، وقد انتهت هذه التقاليد بالعقائد الدينية الراسخة التي حولت وجه البشرية شطر المثل العليا.
(٢) اللغة التي تطورت إلى آداب رفيعة سمت بالإنسان إلى مدارك الحياة العليا.
(٣) العلم الذي توج بانتصارات باهرة سلمت للإنسان مقاليد الحياة.
ولقد كان هذا الشرق مهبط وحي الأديان الحنيفة التي خلصت البشر من ديجور الجهل وأنارت لهم سبل الحياة القويمة. وقدم هذا الشرق للعالم الحروف الهجائية فكانت واسطة تخليد آدابه الرفيعة واكتشافاته المجدية في مجاهل الحياة، ومفتاح ثقافة متماسكة مسرعة الخطى نحو الكمال. ومن قرائح أبناء هذا الشرق أخرج الله للعالم الدعامة الثالثة لصرح مدنيتهم هي - ألف باء الحساب - أسس العلم الحديث، فتم بذلك للإنسان ثلاث وسائل فعالة تتحد وتأتلف لتدفع به في سبيل القوة نحو غاية سامية قدرها الله.
لقد بلغت الحضارة الإغريقية شأواً بعيداً من السمو، ووضعت العقلية الإغريقية قواعد المدنية الأساسية، وخطت للبشرية معالم مدنيتها فكانت مبرزة في كل مضمار إلا في الحساب والجبر لعوزها الأرقام وهي اللبنات الأساسية في بناء هذا العلم.
ولو لم تزد الحضارة الإسلامية على تراث الإغريق سوى تلافيها هذا النقص الذي كان يعتريها لكفاها مأثرة وفخراً.
حوالي سنة ١٥٦هـ وفد إلى بغداد تاجر هندي يحمل مقالة في الرياضيات وأخرى في الهيئة. فكانت الأولى أول رسالة رياضية ترجمت إلى العربية ترجمها إبراهيم الفزاري بأمر من الخليفة. وكانت هذه المقالة على ما هو شائع ومتعارف تحوي الأرقام التسعة والعمليات الحسابية الأساسية. ولهذا كان للحساب عند العرب اسمان:(الهندي) وهو ما كان