يوم لنا ويوم علينا. هذا حال الأدب؛ فلا بد فيه من يقظة وهجعة. والأدب وليد الحس، والحس تتفق له حيناً وثبات يصاول بها الفلك، ويدهمه حيناً سكون تغلب عليه فيه نومة. . . ضجعة الموت أهنأها!
فكأن للأدب مواسم يشع فيها ويكشف عن جبينه وقد دانت له مغلفات الوحي، وتفتحت عليه سموى الإلهام. كأنه يتقلب بين سعود ونحوس؛ فيضيء نجمة وقادة ليخبو كمصباح عطش إلى الزيت. فما إن تعصف به الغاشية حتى تذهب باليانع من أطايبه، والنامي من أغصانه؛ ويحييه غيث ندى فيتلألأ بسخاء، ويزكو بسماح، ويعلو أبداً فيطول عين لشمس وينفذ إليها ساطعاً منها على الدنيا، مالئاً كل زاوية وهجاً وسنى!
ولقد بحثت عن الأدب فما اهتديت إليه بغير أبواب الملوك، وانه ليجالس الملوك؛ يهشون له فيبش لهم، ويصدون عنه فيغمز بهم. فإن يهبوا له العطايا ينفحهم ببدائعه، وإن يمسكوها عنه وينتضوا في مقاتله سيفاً حديداً يناهضهم بلسان أمضى من القاطع الفتاك
وما هي عطاياهم تجاه بدائعه؟. . . عطاياهم تذوب ونفائسه تبقى؛ عطاياهم تذوب لا تنبت على الأيام، على حين أن نواجبه تفل من عزم الأبد، ولولاه، لولا ما يخلع عليهم من مديح، لتناست الأجيال المتعاقبة معظمهم؛ وحتى أهاجيه تمد آجالهم، فيصونهم الخلود، لكون الأدب تغنى بمآتيهم، أو أحسن النيل منهم وأبى على الزمن أن يبيد آيات سمت عن التلاشي والاضمحلال
بيد أن فضل الأدب على الملوك لا يمحو فضل الملوك على الأدب. فما بلغ الأدب أشده، بل هو لم يتنفس وتختلج فيه الحياة المطمئنة الوضيئة، لولا أن هؤلاء الملوك يغذونه بعطاياهم، وتوحي به مجالي الأبهة والجلال في معيشتهم وسكناهم. فالمهابة والندى من باعثات الوحي وحوافز البيان. فلا بد لمن تكمن فيه آيات البلاغة أن يحسسهما ويبوح بما يجيش في نفسه من إعجاب وإجلال. . .
فالتاج والصولجان ينطويان على عظمة ملموسة تفتق العاطفة على جمودها، وتستل من أعماق القلوب الكلام المجنح والمنطق الحلال. فيفيض الأديب الموهوب بالبيان الصافي،