. . . إذا كنت في فكرك مع الفن الطبعي، كانت كل آثارك من نثر وشعر، صوراً فنية، لا تكلف فيها ولا تعمل، والحيوية في الأثر الأدبي، ترجع إلى الحيوية الكامنة في نفس الأديب، وكلما كانت فطرية كان الأديب ينتزع من الطبيعة صوراً، ثم يخلع عليها من طبيعته ألواناً ضاحكة واضحة لا تنافر بينها. . . وكان موهوباً في كل ما يكتب ويقول. . . وأنت يا بني في كل ما حدثتني موهوب. . .
كنت قادراً على سرد أفكارك بوضوح. . . والحيوية في الكاتب هي قدرته على عرض أفكاره في غير ما تعقيد ولا ضعف.
وكانت لأفكارك القدرة على التأثير. . . والحيوية في الأفكار هي قدرتها على التغلغل في النفوس. . . وكانت ألفاظك لا تحمل غير معانيها. . . والحيوية في الألفاظ هي وجودها في المكان الذي إذا رفعت منه فقدت حيويتها، لا تستطيع أن تنقص منها أو تزيد عليها. . . لأنها وضعت كما توضع المقادير في سجل الوجود لا نقص فيها ولا زيادة!!
- جميل يا والدي أن جعلت للكاتب حيوية وللأفكار والألفاظ، ولكني أحب أن أعرف شأن هذه الحيوية في الكاتب
- شأنها عظيم يا بني. . . فقد يختلف الكتاب باختلاف الحيوية الفكرية فيهم. . . فهذا كاتب يملك ناصية الفكرة ولا يجد صعوبة في عرضها. . . فتخلص خلوص ماء السيل لا يقف ولا يتعثر، وتسطع كلماته أنواراً هي إشعاع نفسه وطبيعته، فتراه في أسلوبه، وتلمس في أسلوبه حيويته. . . وينسيك سحره كل شيء إلا ما أراد هو أن يخبرك به!!
وهذا كاتب يملك ناصية اللغة ولا يملك ناحية الفكرة والحيوية. . . مهما أوجز أو أطنب وملأ كتابته بكل لفظ شارد خرجت أفكاره عارية، لأن ألفاظها لا تكسوها، أو لأنها لا تلبس ألفاظها تماماً. . . مثل هذا الكاتب يا بني تستطيع أن تسميه صانع ألفاظ. . .
- وكذلك الشعراء يا والدي. . . فإنك لتجد شاعراً تسمو شاعريته، ويدق إحساسه، فينتزع من كل مرائي الطبيعة صوراً مهما صغر أصلها، يرتفع بها إلى القمة في تصوير عجيب، وتدفق غريب، لأن في نفسه طبيعة خلق معنوية شاعرية تكسو كل أفكاره حيوية ساحرة،