للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيخرج شعره صافياً كمضير الوليد، باسماً كثغر الغيد، راقصاً كالقلب في فرحة اللقاء. . . وهو في إحكام صياغته، وارتباط معانيه بعضها ببعض، وتسلسل أنغامه، كأنه شيء حي تكاد تلمسه وتسمعه، لأن نفس صاحبه وحيويته توزعت فيه نغما وصياغة وتسلسلاً وصفاء

- وأكثر من هذا يا بني، فالحيوية في الشاعر إذا سمت اجتمع لها من الإعجاز ما يفوق حيوية الكاتب، لأنها هنا تقوم بأعمال كثيرة منها الوزن، والقافية الرقيقة، واللفظ الموسيقي، والمعنى الشارد، والروح الشعري. على حين أنها هناك لا يطلب منها سوى صحة العبارة وسلامة المنطق. والحيوية في الشعر لا تكتسب بالاطلاع كما قد تكتسب أحياناً في النثر، لأن الشعراء قوم خلقوا وفي طبيعتهم روح الشعر، بل وفي منطقهم وفكرهم وحديثهم ونظرتهم. فمن قال الشعر من غير طبع وخلق شعري خرج شعره يتعثر في قيود الصنعة وفقد روح الشعر كما فقد تسلسل النثر! أيحسبون أن الشعر حين يكتسب بالاطلاع ويشترى بالحفظ يكون شعراً بمعناه الصحيح! ألا إن الحيوية الشعرية لا تكتسب أبداً ولا تباع. إنما هي تخلق مع الروح

- وكما توجد الحيوية يا والدي في الأديب وأدبه، توجد أيضاً في الرسام وفنه، وكما يختلف الأدباء باختلاف الحيوية فيهم يختلف الرسامون كذلك، فإنك لتقف أمام لوحة زيتية لفنان موهوب، امتزجت روحه بالفن وامتزج بها، وسبح في عوالم لا يصل إليها غير من رقت روحه، وكشفت عن كل خفي من المعاني، وخلع إحساسه الفني على صور الطبيعة ألواناً من نفسه، وخلعت صور الطبيعة على ألوانه ألواناً حية، لو وقفت أمام صورة لمثل هذا الفنان دبَّ في نفسك شعور غريب يملك حواسك، بل يخرج بحواسك عن حقيقتها، فتعتقد أن هذه الشجرة الزيتية شجرة حية تهتز وتتحرك، وهذا النهر الملون تكاد تسمع له خريراً حلواً. ولا غرابة في ذلك، فحيوية الفنان هي سر حيوية لوحته الفنية. وأقسم أني وقفت يوماً أمام لوحة لفنان موهوب، تشع لوحاته إشعاعاً كله حيوية تتحرك وتؤثر وتعجب إلا وانقلب منطق إحساس. فأصبحت أسمع للألوان أصواتاً، وألمس في سكونها حركة. . . واللون الساحر يا والدي إذا وضعه فنان ساحر في موضعه الفني لا يظهر لوناً فقط، بل يظهر لوناً وحقيقة حية!

- والحيوية في الرجال يا بني هي سر الرجولة الكاملة في كل عمل يُعمل، والرجل

<<  <  ج:
ص:  >  >>