أبنت في مقالي السابق أعراض الداء ووعدت القارئ أن أعرض في المقال التالي للعلاج
وقد قرأت في الصحف وصفا لعلاج قيل إن مكتب التفتيش في وزارة المعارف اقتراحه؛ وخلاصته زيادة الحصص للغة العربية، وتوسيع مكتبة التلميذ. وظن أن هذا علاج ليس كافياً ولا شافياً، وأنه لا يلاقي المرض في الصميم، وأنه لا يقدم في الموضوع ولا يؤخر، فلو ضاعفنا الحصص والمعلم على حاله من النقص، والمنهج كما هو من الضعف، لم نصل إلى نتيجة ولم تتحسن حالة المرض
إنما العلاج الحقيقي في إصلاح المعلم وما إليه من منهج وامتحان وتفتيش، فالمعلم الآن تخرجه ثلاث معاهد: دار العلوم والأزهر وقسم اللغة العربية في كلية الآداب. وكلها معيبة بعيوب ابنتها في مقالي السابق، فلابد للإصلاح من توحيد تلك الجهود الموزعة والاقتصار على معهد واحد يسلح بكل أنواع الأسلحة الملائمة
وعندي أن اصلح معهد لذلك هو (دار العلوم)، فتاريخها القديم في التعليم، وسبقها الأزهر في هذا الباب، يجعلان المصلحة في بقائها؛ وكذلك صبغتها الدينية، وما بين اللغة العربية والدين من صلة وثيقة يجعلها اصلح من قسم اللغة في كلية الآداب، ولكنها في شكلها الحاضر غير صالحة، بل لابد لصلاحيتها من أمور:
(١) فصلها عن وزارة المعارف وتبعيتها للجامعة أسوة لها بكل المدارس العليا التي كانت تابعة للوزارة كالمعلمين والهندسة والزراعة والتجارة. فالجامعة أوسع حرية واكثر استقلالا، والحرية والاستقلال اصلح للنحو العلمي والرقي العقلي
(٢) إعادة النظر فيها من جديد: في نظامها وبرامجها، فقد بليت واكل عليها الدهر وشرب، ولم تعد أساليبها التي كانت صالحة منذ عشرين عاماً صالحة الآن؛ على أن يشرف على وضع هذه النظم جماعة من خيرة رجال مصر ثقافة وعقلا وسعة تفكير وعلماً بمناهج التربية
(٣) أن تكون الدراسة فيها مقصورة على المواد العلمية، وبعد الانتهاء يدرس المتخرج سنة أو سنتين أساليب التربية في معهد التربية.