في هذا الوقت الذي نسمع فيه ونقرأ أنباء ذلك الخراب الذي يصيب المدائن العظيمة من هذه الحرب بين إنجلترا وألمانيا؛ وذلك العذاب الذي يصب على الآمنين من أهلها، ينزل عليهم من السماء، ذكرت قصيدة من عيون الشعر وعجائبه قالها (ابن الرومي) في حال تشبه هذه الحال، هي قصيدته في رثاء البصرة. وقبل أن أقدم لقراء (الرسالة) هذه القصيدة العجيبة أذكر خلاصة سريعة من التاريخ عن (فتنة الزنج) الذين جرى على أيديهم خراب البصرة في القرن الثالث الهجري:
صاحب الزنج
في شهر شوال من ستة خمس وخمسين ومائتين، خرج في فرات البصرة رجل وزعم أنه علي بن محمد بن حمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب؛ وجمع الزنج الذين كانوا يسكنون السباخ وعبر دجلة فنزل الديناري، وكان قد شخص من سامرّا سنة تسع وأربعين ومائتين إلى البحرين، فادعى بها أنه علي بن عبد الله بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله ابن العباس بن علي بن أبي طالب، ودعا الناس بهجر إلى طاعته، فاتبعه جماعة كثيرة من أهلها ومن غيرهم. وكان أهل البحرين قد أحلّوه بمحل نبي، وجبى الخراج ونفذ فيهم حكمه، وقاتلوا أصحاب السلطان بسببه
ذلك هو مبدأ ظهور صاحب الزنج كما رواه ابن الأثير في تاريخه الكامل، ومنه نعرف أنه رجل دعيّ أفاق، كان اسمه الحقيقي علي بن محمد بن عبد الرحيم ونسبه في عبد القيس، وأمه من قرى الري، وأن أمه لأبيه كانت جارية سندية، وكان متصلاً بجماعة من حاشية المنتصر، كان معاشه منهم يمدحهم ويستميحهم بشعره منهم ومن غيرهم
وقد جعل هذا الرجل العجيب لنفسه خطة بارعة للوصول إلى غرضه والحصول على ما يبتغيه من الحكم والسلطان. فجعل لنفسه زوراً هذا النسب الشريف يصل به إلى الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. مرة على أنه ابن محمد بن أحمد بن عيسى الخ. . . ومرة على أنه ابن عبد الله بن محمد بن الفضل. وهو في كليهما واصل نسبه إلى علي بن أبي طالب. ثم استولى على جماعة من ضعاف العقول في أهل البحرين، فجعل نفسه