لقد وعدنا في العدد الماضي أن نذكر أحراس الجحيم من الشياطين في خيال دانتي. وفي الحق انه افتن في وصفهم. وجعل منهم أولى أذناب يطوقون بها المعذبين مثنى وثلاث ورباع. وآخرين في صورة كلاب تعددت رؤسها وأفواهها. وجعل منهم من يصرخ ويصيح بصوت تنبو عن جرسه الأسماع. .
جمهرة من المردة استغل الشاعر مواهبه إلى أقصى حدودها في وصفهم محتفلا بذلك الوصف حتى جعل لهم مدينة تخصهم لا يلجها سواهم ففي بعض طبقات الجحيم، وعلى ضفاف نهر اكرونتي يقف الشيطان بزورقه ينقل فيه المعذبين من مكان إلى مكان ضاربا بمجدافه كل من أبطأ به ضعفه أو تمرده. وفي بعض جنباتها يرى الشيطان شربيرو في زي كلب ضخمت جثته، وتعددت رؤوسه وأفواهه ترسل الصراخ والنباح عاليا تنكره الآذان. وفي بعض نواحيها يرى الشيطان بلوطو ملحا في هذيانه بصوته الذي لا تبين نبراته. ويبعث رنينه في القلوب الفرق والرعب والهلع. ثم يحدثنا مرة أخرى عن شيطان له زورق يعبر عليه أهل النار بركة سوداء قاتمة يتقلب في أوحالها وأقذارها المتكبرون والحاسدون. ذلك الشيطان هو حدثنا عن الشيطان مينوتاورو الذي تراءى في ظلمات الجحيم متخذا هيئة ملفقة من الإنسانية والحيوانية نصفه ثور ونصفه ادمي إلى كثير من زبانية ومن شياطين افتن شاعر الطليان في وصفها افتتانا جعله يختصها بمدينة (ديتي تلك التي اشرف دانتي منها على أبراج وقباب يلفحها لهب الجحيم. وينعكس عليها ضوء النيران. ولم يكد يخطو نحوها يريد اختراقها حتى اعتراضه ألف من الزبانية يحتجون على دخوله مدينتهم واختراقه حرمتهم. ولقد كانت الشياطين كلما اعترضته في طريقه أو أرادت إلحاق الأذى به هرع إلى فرجيل فاستنصر به، فأقنعها فرجيل بالإرادة السماوية التي تأمره بالمسير فخلت له السبيل. بيد ان المردة من (ديتي) أبوا إلا إعراضا وعصيانا فأغلقوا من دونه أبوابهم، فوقف الشاعر مشدوها يعجب لمئات الشياطين من حوله. ولثلاث من إناث الجن وقفن فوق اكبر البروج مولولات صائحات. وليس خضابهن الحناء بل