للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يصطبغن بالدماء. وتدور على أوساطهن الثعابين وتنسدل على أعناقهن ورؤسهن الأفاعي مكان الشعر متكاثفة يركم بعضها بعضاً. ولا زال دانتي تحيط به المرعبات من كل الجوانب حتى جاءه ملك كريم أهوى نحو الشياطين بعصاه ففتحت له أبوابها. واخترقها دانتي ذاهبا لطيته واستكمالا لرحلته بين حراس الجحيم وعذاب العاصين مسهبا في الحديث عنهم. بيننا المعري لم يسهب في وصفهم فلم يكن له غرض في ذلك بله الافتتان فيه فهو لم يرد ذكر لعصاة والمجرمين يصف للناس عذابهم عظة وذكرى حتى يفتن في وصف ذلك العذاب. وفي وصف الزبانية والأحراس الموكلين بالعذاب وإنما هو رجل لغة وأدب وشعر. يتلمس الطرق الشائقة ليبرزها طريفة محببة للنفوس. فلم يعرض لخزنة النيران إلا قليلا على حين أنك ترى دانتي همه وصف المجرمين والخائنين: خائني أوطانهم وإخوانهم وأهليهم، معملا خياله فيوصف المعذبين، وفي وصف الموكلين بعذابهم حتى ينفر الناس من الخطيئة، ويتجافوا عن المعصية.

إبليس في الروايتين

ذكر الجحيم يتتبع ذكر إبليس. وإبليس رمز الشر حتى عند عبدة الشيطان، فهم يعبدونه اتقاء لشره. فتحدث عنه المعري ولم يغفل دانتي ذكره. وكلاهما صورة في آلامه وأوصابه وفي عذابه وما يلاقيه. بيد أنك إذ تقرا وصف المعري له تغرق في الضحك وتعلم أي سخرية بلغها أبو العلاء. وأي دعابة اغرق فيها رهين المحبسين. وتعلم من بعد ذلك ان صاحب رسالة الغفران هو اشد كتاب العربية جرأة على ما لم يجروء عليه أحد غيره.

وسأنقل إليك ما ذكره عن إبليس متدرعا بالشجاعة أنا الآخر حتى في النقل، ولولا ان واجب الموازنة يضطرني للنقل. ولولا أن حاكي الخبر ليس بمسؤول عنه، لضربت صفحا عما سطره المعري عن ابليس. فقد ذكره وهو يحاور ابن القارح يسائله عن صناعته ويذم له حرفة الأدب. ويسائله عن أعمى البصرة بشار بن برد ذي اليد عليه كما يقول حين فضله على آدم. ثم يستفتيه في تحريم وتحليل. . وفي أحكامفقه ودين. . .

فدونك ذلك القصص أكتبه واترك للقارئ تفهم ما تحدث به المعري في خلاله. وقال المعري محدثا عن ابن القارح (ثم يطلع على أهل النار فيرى إبليس لعنه الله وهو يضطرب في الأغلال والسلاسل، ومقامع الحديد تأخذه من أيدي الزبانية، فيقول الحمد لله

<<  <  ج:
ص:  >  >>